إغتيال رفيق الحريري… مقدمة للشرق الأوسط الجديد

زياد سامي عيتاني

مهما اختلفت الآراء والأفكار المسبقة عن رجل مثل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، سيظل علامة فارقة في تاريخ لبنان والمنطقة، ونقطة فاصلة في خريطتهما السياسية، نظراً الى الموقع والحجم والدور الذي لعبه في الحياة السياسية اللبنانية والاقليمية والدولية. وهو بهذا المعنى ليس مجرد رجل سياسة ودولة مر في تاريخ لبنان السياسي المعاصر، بقدر ما هو حقبة سياسية من الصعب ملؤها.

الحجم السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي الذي تمتع به الرئيس الحريري على الصعيد الداخلي أثر بصورة واضحة وكبيرة على التركيبة السياسية اللبنانية، بحيث بات من الصعب إعادة التوازن إلى نظام الحكم في لبنان في غياب رجل بهذا الحجم والدور، وفي ظل غياب قطب سياسي قادر فعلياً على لعب مثل هذا الدور داخلياً وخارجياً. وبالتالي فإن نظام الحكم في لبنان الذي استند إلى “اتفاق الطائف”، والذي كان الرئيس الحريري أحد مهندسيه بات في دائرة الخطر، بعد سلسلة عمليات التصويب عليه، وصولاً إلى الدعوة التي سميت من البعض بالعودة إلى الجذور أي إلى ما قبل “اتفاق الطائف”، وهذا ما كان الرئيس الحريري يقف ضده بقوة ويدعو إلى التمسك به نصاً وروحاً داخلياً وخارجياً، وهذا ما ميّز به نفسه عن باقي أطراف المعارضة.

لقد أتت الجريمة وسط تقاطع العديد من الخيوط والمصالح المتنوعة والمتعددة داخلياً وخارجياً، ففي لبنان الفرز السياسي بات واضحاً وممنهجاً بين الموالاة والمعارضة، مع الحديث عن المسار التنفيذي للقرار 1559، وسط تصميم ودعم فرنسي أميركي واضح، مترافقاً مع ضغوط هائلة على المعنيين به. تغييب الرئيس الحريري في تلك الظروف، كانت له مؤشرات سلبية كثيرة على مستقبل لبنان، من خلال تهديد مصير الكيان اللبناني كموقع ودور، الأمر الذي سيفتح المجال واسعاً لدخول لبنان في دائرة الصراعات الداخلية، ذات الأبعاد الخارجية المؤثرة داخلياً.

لا بد من إعادة التذكير، بأن توقيت إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري تزامن مع ملامح بدايات ما أطلق عليه “مشروع الشرق الأوسط الجديد”، بما ينطوي عليه من مخاطر وجودية تهدد الخارطة الجيو-سياسية لدول المنطقة العربية، من خلال إثارة الفوضى فيها، تمهيداً لتقسيمها إلى دويلات طائفية وعرقية وإثنية، بما يعني ذلك من إطاحة المنظومة العربية في المنطقة، لصالح المشاريع الاسرائيلية والايرانية والتركية! ولتحقيق هذا المشروع، كان لا بد من (ترويض) “الاعتدال الاسلامي”، لشعوب المنطقة ذات الغالبية السنية، التي تنتهج الوسطية والانفتاح والتعايش والاندماج الوطني والانتماء العربي. ولتحقيق هذا “الترويض” كفت يد المنظمات الارهابية “المتأسلمة”، التي كان قد تم تهيئتها لتكون أداة تنفيذية “شيطانية” في تنفيذ مخطط إطاحة النظام المركزي في دول المنطقة العربية، للهيمنة عليها، وسلخها عن محيطها وهويتها وإنتمائها العربي. وبهذا المعنى، فإن إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بما يحظى به من دور وموقع فاعل ومؤثر على صعيدي الاعتدال الاسلامي والعربي، لتغييب هذا النهج، حتى يحل مكانه “داعش” ومشتقاتها. في الذكرى الـ19 لاغتيال صوت الاعتدال والانفتاح والتلاقي، فإن إمعان النظر المتأمّل في تلك الحقبة ورجلها، يدفع الى التأكيد والجزم الصارمين أن رفيق الحريري إغتيل، لأنه كان عقبة للمشروع الجهنمي الذي كان يحضر للشرق الأوسط، وما حصل ويحصل في كل من العراق وسوريا واليمن، وأخيراً في غزة، ما هو إلا فصولاً دموية تدميرية وإبادية من ذلك المشروع.

شارك المقال