كيف هو سعد الحريري؟

لينا دوغان
لينا دوغان

ينشغل لبنان عموماً وبيروت خصوصاً هذه الأيام، بالتحضير لذكرى ١٤ شباط، الذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وطبعاً وجود الرئيس سعد الحريري في هذا التاريخ ككل عام يكون الشغل الشاغل للصحافة والاعلام.

لقد قلت “الشغل الشاغل”، حرفياً الرئيس سعد الحريري هو الآن تحت أنظار الجميع بلا استثناء، فالعدو قبل الصديق الآن، يفكر ويحلل ويبحث ويتقصى ويحقق ويدقق، عن عودة سعد الحريري.

والاعلام بمجرد أن سمع بحضور الحريري ذكرى والده، حتى انبرت الأقلام الى تأليف المقالات الخاصة بهذه العودة وتسطيرها، تحت عناوين عديدة، منها من تحدث عن توجيه الحريري رسائل الى الخارج عبر مشهدية تجمهر الناس في ١٤ شباط. منها من يكتب عن ثنائية فرنجية – الحريري، مقال آخر يخصص صفحاته للحديث عن عودة الحريري الى تعليق العمل السياسي الذي أعلنه قبل سنتين. مقال آخر يتجه الى الكتابة عن سنة لبنان ولماذا ينتظرون عودة سعد الحريري، منها من يشير الى أن هذه العودة بتأييد روسي عربي تمهيداً لتسوية محلية واقليمية شاملة، وعنوان آخر عن عودة الحريري: هل هو محطة سنوية أو عودة سياسية، لكن لا يخلو الأمر من صحافة صفراء وأقلام سوداء باتجاه عودة الحريري، وهي من تخصص جريدة “الأخبار” و”نداء الوطن” وموقع “أساس”، وهذا الأخير تخصص في الحديث عن الشارع السني ربطاً بعودة الحريري، سائلاً: عودة الحريري إلى أي مزاج سني؟ لتخلص جريدة “الأخبار” الى اعتبار أن الاجراءات التي تسبق الزيارة، لا توحي بفكاك قريب للرئيس من “منفاه” الاماراتي، فهي تعتبر أن الحريري يعيش في المنفى وما زال، كما تعتبر أنه في زنزانة وليس في المنفى فقط. في مقال أكدت فيه إحدى الصحافيات “أن ثمّة ما هو أعقَد من حاجة الطائفة السنية إلى سعد الحريري في هذا التوقيت، المسألة تتعلّق بقرار سعودي جذري باستئصال الحريرية. لن تخرج أيّ تحوّلات في المنطقة رئيس تيار المستقبل من زنزانته السياسية، ما دامَ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مصرّاً على إنزال حكم الاعتزال به. هذه معادلة مفروغ منها، ومدخل طبيعي للسؤال عن صحّة ما يُروّج عن عودة الحريري الى نشاطه السياسي المُعلّق منذ أكثر من عامين”.

لا هم عندهم سوى تأكيد عملية دق الاسفين بين الحريري والسعودية، والذين كانوا من أوائل ومعهم آخرون، من كتب وعمل على ضرورة التفريق بين الطرفين، أما “نداء الوطن” ففتحت الباب لكاتب مقال يرى أن الابواب لم تفتح بعد للحريري، لا بل ذهب أكثر من ذلك ليقول بالحرف “تشهد الساحة الاعلامية في لبنان ضخّاً تعبوياً مكثّفاً لجمهور تيار المستقبل من أجل إقناعه بالنزول إلى ضريح الرئيس رفيق الحريري في ذكرى استشهاده ليعود رئيسه لأنّ الحكاية لم تنته بعد، وأنّ هناك تطورات وتحوّلات وإشارات وومضات وتوقعات تشير إلى حصول تغيير في الموقف السعودي من الزعيم الغائب المنتظر تستدعي أن يهبّ أنصارُه ويقوموا باستعراض شعبيتهم أمام الضريح حتى ترى القيادة السعودية أنّهم ما زالوا على قيد الحياة السياسية فترتفع أسهم السعد وتعود فرصه في العودة على حصان الزعامة السنية”.

هذا الصحافي الذي دعم تيار “المستقبل” لفترة طويلة وبقوة، يلجأ الى المقارنة بين الحريري وأشرف ريفي معتبراً أن الأخير “أثبت إمكان الصمود السياسي بمعارضةٍ عالية السقف لحزب الله كما أنّه يتعامل مع الساحة السنية باعتبارها واحدة وليست منفصلة مناطقياً، وهو ما أثبته ريفي من خلال معالجته اعتداء الحزب على عرب خلدة مقابل تخلّي المستقبل عنهم، وتدخّله في حلّ الإشكال الذي وقع في شكا بين بعض العرب وشباب من القوات ودوره الفاعل نيابياً من خلال كتلة تجدّد العابرة للمناطق، وهذه عُقد حقيقية عند الزُرق.) ولم يتوقف هنا بل وصل به الأمر الى حد أن تيار “المستقبل” يصف “الجماعة الاسلامية” بالتطرف، وهو نفسه أي التيار يتحالف مع “الجماعة” في أكثر من استحقاق!

ويعتمد في مقاله على “مصادر” تحدثت عما يروّج عن وجود انفراج في علاقة الرئيس سعد الحريري بقيادة المملكة العربية السعودية، فإنّ كلّ التقاطعات تؤكد عدم حصول أي جديد في هذا المجال وأنّ ما حدث فعلاً هو قيام الحريري باتصالات مع مسؤولين أميركيين طالباً إليهم التوسط لدى الرياض، وأنّ جُلّ ما حصل عليه وعد بالتحدّث مع المسؤولين السعوديين من دون ضمانات ولا تأكيد ببذل جهد أكثر من إيصال الرسالة.

كل المقالات والصفحات التي كُتبت عن عودة الحريري ليست الا أسئلة لا يعرفون إجاباتها، سيعود الرئيس سعد الحريري لإحياء الذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد والده، لكن إلى متى سيعود؟ هل تطول إقامته؟ وإذا لم تكن هناك سياسة في عودته، فإلى أين يعود؟ هل إلى رأس تيار “المستقبل”؟ وبأي هدف؟ صحيح أن لا أجوبة عن كل هذه الأسئلة عند الجميع بمن فيهم هؤلاء، الا أن معظمهم الا من رحم ربي، يريد زعزعة علاقة الحريري بالمملكة قدر ما يستطيع، ليكمل فعلته الأولى.

منذ ما يقارب الشهر وهم يدوّنون عن عودة سعد الحريري، ولم يقتصر الأمر على المضامين السياسية وذكرى ١٤ شباط وغيرها، بل تعداها ليصل الى شكل سعد الحريري!

هل يصل الى بيروت بمظهر خارجي جديد، كيف سيكون شكله، شعره، ذقنه؟

كل هذا كان أيضاً من بين الأسئلة التي ليست لديهم أجوبة عنها، فلجأوا الى توزيع صورة له مستخدمين الذكاء الاصطناعي وذكاءهم اللامع، للتداول على المواقع والشاشات، ولم يصلوا بعد ليفهموا أن عند أحباب سعد الحريري الكثير من الأشياء المهمة ليفكروا فيها عن زعيمهم ولا يستوقفهم الشكل بل يهمهم المضمون الذي هو أساس كل علاقة بينه وبينهم، وما فهمه جمهور سعد الحريري المشارك بمحبة ونظافة يوم ١٤ شباط، لم يصل الى فهمه أي قلم كتب وأي مصور اخترع. أما عن سؤال كيف هو سعد الحريري؟ فهو بألف خير بعيداً عما يدوّنون ويسطرون وعما يظنون أنهم يعرفون.

شارك المقال