صفحة جديدة بين “القوات” والحريري: الوضوح!

جورج حايك
جورج حايك

ثمة رغبة لبنانية كبيرة عابرة للطوائف تشجّع رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري على الرجوع عن قراره تعليق عمله السياسي، وهذا ما يشمل الحلفاء السابقين وأبرزهم “القوات اللبنانية”، وستكون محطة 14 شباط التي يحيي فيها تيار “المستقبل” ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري مقياساً لعودة الحرارة بين الفريقين اللذين مرت علاقتهما بمطبات في الأعوام الأخيرة بعد مسيرة نضالية مشتركة بدأت في 14 آذار 2005.

لا شك في أن كل اللبنانيين الذين خاضوا تجربة 14 آذار شعروا بالحنين إليها عندما شاهدوا لافتات تحمل صور الحريري مع تعليق “تعوا ننزل ليرجع” وأخرى مع كلمة “اشتقنالك”، وربما أكثر من تفاعل معها هو جمهور تيار “المستقبل” والبيئة السنيّة التي تتوق إلى “زعيمها” الأكثر شعبية، وهذا ما أثبته الواقع على الرغم من غيابه منذ عامين.

واللافت أن “القوات” تُدرك ذلك في العمق، وهي لم تنكر على الحريري زعامته السنيّة والوطنيّة يوماً، وتعتبر مصادرها أن “المستقبل” تيار “عابر” للتمثيل المناطقي، وهذه من الحقائق الأساسية، صحيح أن هناك شخصيات سنية لها حيثيّتها وهناك نواب يتمتعون بتمثيل ملحوظ، لكن لا أحد داخل البيئة السنيّة يتمتع بتمثيل عابر كشخص سعد الحريري وتياره، وهذا الأمر بدأ مع الشهيد رفيق الحريري ويستمر اليوم مع الشيخ سعد، بل ان “المستقبل” يربط كل البيئات السنيّة ببعضها البعض، فيما الشخصيات السنيّة المستقلة، مع احترامنا لها ولحيثيتها، يبقى تمثيلها مناطقياً.

ويلفت نائب “المستقبل” السابق محمد الحجار إلى أن جمهور تيار “المستقبل” والشهيد رفيق الحريري يعاني من الارتدادات السلبية على البلد نتيجة غياب الرئيس الحريري، والمعادلة الداخلية اهتزت بسبب غيابه وحتى الخصوم يعترفون بذلك، ومسألة عودته ترتبط بما سيحصل لبنانياً واقليمياً ودولياً بعد حرب غزة.

من المؤكّد أن “القوات” لن تكون بعيدة عن جمهور الحريري السعيد بعودته، ولو المؤقتة حتى الآن، وهذا أمر بديهي، وفق مصادر “القوات”، ومن المتوقع أن يُشارك وفد من تكتل “الجمهورية القوية” في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، انطلاقاً من التقدير الكبير للرئيس الشهيد والعلاقة مع الرئيس سعد وتيار “المستقبل”.

لكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: هل جرت تنقية للعلاقة بين “التيار” و”القوات”؟ تعتبر مصادر معراب أن ما حصل بين الطرفين كان تبايناً طبيعياً يحصل بين الحلفاء، ولا يجوز تحميله أبعاداً أكبر، إلا أن هناك من عمل على تضخيم هذا التباين سعياً الى شقّ الصفوف وضرب وحدة مسار القوى السيادية، علماً أن “القوات” لا تنكر أن لكل فريق طريقته وأسلوبه في العمل، مع ذلك كانا يلتقيان حول نقاط معينة ويتباعدان في نقاط أخرى.

ولا تنسى “القوات” أن تحت سقف هذا التباين هناك شهداء مشتركين ولبنان أولاً ومشروع الدولة، وهذا ما جمع بين “القوات” و”المستقبل” وسائر القوى السيادية.

أما الحجار فلا يملك معطيات عن اجتماعات بين الطرفين جرت فيها تنقية العلاقة، ويرى أن ذلك ربما حصل عبر أصدقاء مشتركين ووسطاء، إلا أنه يعتبر أن مسيرة النضال مشتركة كبيرة وبدأت بعد اغتيال الرئيس الحريري ثم اقرار قانون العفو عن الدكتور سمير جعجع ثم العمل السياسي النضالي في إطار جبهة 14 آذار وثورة الاستقلال الثاني ومشروع الدولة وأولوياتها ومؤسساتها ولبنان أولاً.

مع ذلك، لا ينكر الحجار أن هناك بعض العتب نتيجة بعض الأخطاء التي حصلت وقد عكّرت العلاقة، ويتمنى أن تتجه الأنظار إلى المستقبل لإعادة الحياة الى هذه العلاقة لأنها ضرورة وطنية. ويشير إلى أن مقاربة الرئيس الحريري اختلفت عن مقاربة “القوات” في بعض المراحل إلا أن الهدف بقي واحداً ومشتركاً، مؤكداً “أننا لم نضيّع البوصلة، فكانت أولويتنا دائماً مشروع الدولة، وهذا ما يملي علينا تصرفاتنا ومواقفنا بمعزل عن أي مصلحة فئوية أو حزبية”.

أما مصادر “القوات” فتلفت إلى أن الرئيس الحريري عندما أعلن تعليق عمله السياسي كان قد وصل إلى قناعة “القوات” السياسية، وهو تلا ذلك في رسالة الاعتكاف، معتبراً أن هناك اشكالية حقيقية تحول دون قيام دولة يتسبب فيها الفريق الممانع الذي يمنع قيام هذه الدولة أي “حزب الله”، علماً أن النضال المشترك في إطار جبهة 14 آذار كان عنوانه السعي إلى قيام دولة فعلية، وقد مارس “الحزب” كل أساليب التعطيل والعنف ليحقق مشروعه الذي يتناقض مع مفهوم الدولة، وبالتالي ما يجمع بيننا وبين الرئيس الحريري هو الذهاب إلى الدولة الفعلية والاستقرار والازدهار، إلا أن التباين مسموح في اليوميات السياسية لأننا لسنا حزباً واحداً.

من جهة أخرى، لا يستغرب الحجار عودة الحريري لإحياء ذكرى استشهاد والده في 14 شباط، فهو اعتاد ذلك منذ 17 عاماً، وهذا ما تراه أيضاً مصادر “القوات”، مشيرة إلى أن وجوده في لبنان طبيعي في هذه الفترة، إلا أنه لم يتحدث عن عودته بصورة نهائية، إنما لإحياء هذه المناسبة الوطنية الجليلة وخصوصاً أن الرئيس رفيق الحريري هو الشهيد الوحيد الذي شكّل اغتياله مدخلاً للوحدة وليس الانقسام، وبالتالي هو شخصية استثنائية، كان اغتياله الدافع لانطلاقة انتفاضة 14 آذار.

إلا أن مصادر “القوات” لم تؤكّد ما إذا كان سيحصل لقاء بين جعجع والحريري، لأنها مسألة متعلقة بأمن رئيس “القوات”، ولا أحد يستطيع أن يقدّر الأمر سوى جعجع نفسه.

يؤيد الحجار عودة العلاقة بين “القوات” و”المستقبل” إلى سابق عهدها كما أيام النضال بل فتح صفحة جديدة عنوانها “الوضوح”، لأن ما يجمع أكثر مما يفرّق، ونقصد بذلك قضايا الوطن والوحدة الوطنية وأولويات بناء الدولة، لذا يجب أن نضع جانباً كل القضايا الثانوية بسبب الوضع الصعب الذي نعيشه.

لا شك في أن الدولة في لبنان مهترئة بسبب عدم اجراء الاستحقاقات الدستورية في وقتها وخصوصاً الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، فإذا قرر الحريري العودة سيشكّل عامل ضغط لإنهاء هذا الشغور، إلا أن الأمر، وفق الحجار، يحتاج إلى نضوج التسوية ما بعد حرب غزة، على الرغم من أن الرهان على الخارج لأنه يجوز لأنه أمر سيء جداً!

شارك المقال