رفح… تقاطع انساني استراتيجي

حسناء بو حرفوش

أنظار العالم موجهة في هذه الآونة نحو مدينة رفح الفلسطينية. وبالتوازي مع المساعي والادانات الدولية، يبدو أن تعنت الجانب الاسرائيلي إلى ازدياد، خصوصاً مع توعد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالإجهاز على ما اعتبره آخر معاقل “حماس”.

الصحافة العالمية تناولت الموضوع من المنظور الانساني ومن المنظور الاستراتيجي. وركزت على سبيل المثال، قراءة في موقع Standard الاخباري البريطاني على “التضخم السكاني في المدينة الذي يضاعف من المخاوف حول مصير المدنيين”. ووفقاً للمقال، “يصر نتنياهو على مهاجمة المدينة التي تضخم عدد سكانها بعد لجوء النازحين من غزة إليها في أعقاب الحرب. وذلك، بعد أن دأبت إسرائيل على إجبار المدنيين الفلسطينيين على التوجه إلى المدينة، على أساس أنها منطقة آمنة. ومع ذلك، لم تتردد إسرائيل خلال الساعات الماضية، في شن سلسلة من الغارات في جميع أنحاء المدينة. وأدت هذه الهجمات الى مقتل أكثر من 100 فلسطيني كما أثارت قلقاً دولياً بشأن هجوم بري وشيك. وتجدر الاشارة في هذا السياق إلى أن رفح تقع على طول حدود شبه جزيرة سيناء المصرية، وتعتبر من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض.

وعلى الرغم من المخاوف المتزايدة حول سكان المدينة، وبينهم زهاء 600 ألف طفل كما يقدر عدد من التقارير، يبدو أن نتنياهو مصمم على المضي قدماً في خطته. وذلك مع إدراك الجميع أن المدنيين الفلسطينيين ما عادوا يمتلكون مكاناً يفرون إليه، كما أن إسرائيل لم تقترح حتى الساعة أي خطة إخلاء لمساعدة العائلات التي تحاول يائسة الابتعاد عن الصراع. وكان معبر رفح في السابق، المخرج الوحيد الذي يمكن للفلسطينيين مغادرة قطاع غزة من خلاله. ولا تزال الحدود مغلقة مؤقتاً حالياً، ما يعني أن معظم الفلسطينيين لا يستطيع المغادرة كما لا يمكن إدخال معظم المساعدات الانسانية. وتسيطر إسرائيل على جميع الحدود البحرية والبرية الأخرى عبر الأراضي الفلسطينية. كما أظهرت التقارير أن المتظاهرين الاسرائيليين يحاولون منع مرور المساعدات الانسانية إلى غزة. ورفح هي الآن واحدة من آخر المدن الكبرى التي لم تدخلها القوات الاسرائيلية بعد كجزء من عمليتها المستمرة منذ أربعة أشهر.

وتحولت المدينة إلى مخيم جماعي للاجئين، حيث فر أكثر من مليون شخص من المنكوبين من أجزاء أخرى من قطاع غزة بحثاً عن ملجأ من القصف الاسرائيلي. وفقد أكثر من 28064 فلسطينياً حياتهم نتيجة حرب غزة، حسب وزارة الصحة الفلسطينية. كما حوّل القصف العديد من المباني إلى أنقاض ويعاني من بقي من ندرة الغذاء والمياه النظيفة، ما يثير مخاوف كبيرة بشأن الأزمة الانسانية الاقليمية المتصاعدة. وكان نتنياهو قد توعد بمواصلة الهجوم البري، على الرغم من الادانات الدولية لمثل هذه الخطوة. وحذر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان فولكر تورك من أن الهجوم الاسرائيلي على رفح سيكون مرعباً، نظراً الى احتمال مقتل وإصابة عدد كبير للغاية من المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء أيضاً.

في السياق الاستراتيجي، تكتسب رفح أهمية كبيرة أيضاً لأن ما يحدث فيها قد يظهر مدى استعداد إسرائيل لمواجهة دعوات المجتمع الدولي. كما قد يؤدي الهجوم البري إلى مزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط ويهدد اتفاقات السلام الاقليمية الرئيسية. وكانت رفح تعتبر في السابق منطقة آمنة في قطاع غزة. وألقت إسرائيل بمنشورات على منازل المدنيين في خان يونس جنوب قطاع غزة في ديسمبر/كانون الأول 2023، دعتهم فيها الى إخلاء بلدتهم فوراً والاحتماء في رفح. والتزم عدد كبير من الفلسطينيين، الذين شهدوا الفظائع التي ارتكبت في أجزاء أخرى من غزة، بالتوجيهات ورحلوا بحثاً عن الأمان.

لكن الأمن في رفح بات موضع شك الآن لأن نتنياهو رفض الدعوات الى وقف إطلاق النار وتعهد بتحقيق النصر الكامل من خلال الهجوم البري، الأمر الذي يثير مخاوف بشأن سلامة الآلاف الذين لجأوا إلى الخيام وبين المباني المدمرة. وأخيراً، من الجانب المصري، يبدو أن إسرائيل تحاول من خلال دفع الفلسطينيين جنوباً، إجبارهم في النهاية على مغادرة غزة ودخول شبه جزيرة سيناء المصرية. وهذا ما اقترحته وثيقة استخباراتية إسرائيلية صدرت في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتضمنت تفاصيل خطط نقل سكان قطاع غزة إلى مصر. ومع ذلك، يعارض المسؤولون المصريون فكرة السماح للفلسطينيين بدخول صحراء سيناء، مشيرين إلى أن إسرائيل لن تسمح أبداً للشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه ويزيد كل ذلك بعد، من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”.

شارك المقال