مبررات المطالبة بعودة الحريري الى الحياة السياسية

زياد سامي عيتاني

في الوقت الذي تشتد فيه الضربات في جنوب لبنان بين “حزب الله” وإسرائيل، وينقل الموفدون تهديدات حكومة الحرب الاسرائيلية عن نية بنيامين نتنياهو ضرب لبنان، هبطت طائرة الرئيس سعد الحريري في العاصمة بيروت، للمشاركة في الذكرى السنوية الـ19 لاغتيال والده، الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مثيراً تساؤلات بشأن إمكان عودته إلى الساحة اللبنانية بعد انسحابه منها منذ مطلع 2022.

وجاءت عودة الحريري المنتظرة والمعوّل عليها، وسط مرحبين بعودته إلى الساحة السياسية، وذلك بعد تعليق عمله السياسي منذ أكثر من سنتين. واستبقت الزيارة دعوات شعبية وأخرى سياسية من الحلفاء والخصوم على حد سواء، تحمل عناوين مختلفة، أبرزها أن الأطراف التي دفعته الى الخروج “مُكرهاً” من السياسة اللبنانية لم تستطع إيجاد بديل عنه في الشارع السني، في ظل ما وصفته بأنه “حالة تشتت تعيشها البيئة السنية، الأمر تسبب بخلل كبير في المعادلة الوطنية اللبنانية، جراء غياب التأثير السني في اللعبة السياسية”. فأهل السنة والجماعة في لبنان (أحد أبرز المكونات الوطنية للدولة اللبنانية) شعورهم محق بما يتعرضون له من استهداف ممنهج ومبرمج، هدفه تهميش دورهم التاريخي والتأسيسي والمؤثر في المعادلة السياسية اللبنانية وتحجيمه، ضمن مخطط تنفذ فصوله تباعاً لتغيير هوية لبنان، وبالتالي ضرب توازناته الوطنية.

لا شك في أن الطائفة السنّية بغياب الرئيس سعد الحريري عاشت وتعيش في الوقت الراهن حالة من الضبابية، لا بل السوداوية والضياع إزاء واقعها السياسي المتراجع محلياً وعلى صعيد المنطقة، جراء التحولات والمتغيرات الجذرية في كلٍّ من العراق وسوريا تحديداً، وإنعكاس تردداتها على الداخل اللبناني، والشعور العام المخيّم على بيئتها بالمظلومية والاحباط، وحتى الالغاء السياسي! وهذا ما يفسر حجم الحشود الجماهيرية أمام ضريح صاحب الذكرى في ساحة الحرية، وأمام “بيت الوسط” (برمزيته السياسية – المرجعية)، ما دفعه الى مخاطبتهم بالقول: “إن نبض البلد هنا، فحافظوا على البلد”.

أما على الصعيد السياسي، فإن المطالبين من القيادات السياسية بعودة الرئيس الحريري عن قراره تعليق العمل السياسي، يخشون من حالة إستقطاب السنة من الحركات الاسلامية، محذرين مما سمّوه “حجم التأييد الحاصل للقوى والجماعات الاسلامية داخل لبنان، في ظل توسع التوترات الحدودية مع الاحتلال الاسرائيلي وتمددها، وبالتالي استمرار حرب الابادة التدميرية على غزة”. هذا ما ألمح إليه الحريري بنفسه، في لقائه التلفزيوني على قناة “العربية”، متحدثاً عن “ضرورة التصدي للمتطرفين الاسرائيليين والاسلاميين”، ومعتبراً أن “ما يحصل اليوم في إسرائيل وغزة وكل المنطقة، مشاريع تطرفية”.

إضافة إلى الموضوع السني، فإن القيادات السياسية، وفي مقدمها الرئيس نبيه بري، تعوّل على الزخم السياسي لدى الرئيس الحريري، الذي يتمثل في القدرة التي يمتلكها على الدفع باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، في ظل الفراغ الرئاسي الحاصل منذ تشرين الثاني 2022، وخطورة الأمر على الدولة، الأمر الذي سعى الحريري الى الترويج له خلال لقاءاته السياسية مع الأطراف الداخلية، بحسب قناة “الجديد” اللبنانية، خصوصاً أنه يؤثر على أصوات 10 نواب في البرلمان محسوبين عليه، وهي الأصوات اللازمة لحسم فوز أي مرشح بالرئاسة، في ظل الاصطفاف الانقسامي الحاد، الذي يحول دون إنتخاب الرئيس.

وسط هذه المشهدية السياسية والشعبية التي أحاطت بزيارة الحريري، فإن الأوساط المراقبة ترى فيها دلالات عدة، ولا تأتي من فراغ، خصوصاً أنها تتزامن مع تغيرات في المنطقة، حيث سيكون لبنان أحد أركانها من بوابة الحرب على غزة والجنوب اللبناني، إذ ان إسم الحريري دائماً يكون مرتبطاً بأي تسوية سياسية تخصّ رئاستي الجمهورية والحكومة. ورأت الأوساط نفسها أن اللحظة الاقليمية الحالية التي تتزامن مع حرب غزة تشبه ظروف التسوية التي أتت بالرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة، وبميشال عون رئيساً للجمهورية (انتهت ولايته أواخر 2022)، وكذلك قبل أشهر من الانتخابات الأميركية.

الموقف المعلن للحريري صدر على قناة “العربية” في حديثه المباشر عن أن عودته الى لبنان في الوقت الحالي “غير متاحة”، وأنه “لن يعود عن قرار تعليق عمله السياسي”. وأكد كذلك أن لحظة تعليقه العمل السياسي أتت لأسباب متعلقة بانسداد الأفق في لبنان والمنطقة، ورؤية أن البلاد تمر في مرحلة خطرة. لكن، بحسب معلومات، فإنّ اللقاءات التي عقدها الحريري كانت إيجابية، وتم التطرق فيها إلى أبرز الملفات السياسية والأمنية في لبنان والمنطقة، لكنه لم يطلع أي من الشخصيات التي التقاها على قراره بشأن استئناف نشاطه السياسي، بحيث من المؤكد أن ذلك القرار مرتبط بصورة أساسية بالتطورات في المنطقة، وضمناً لبنان، وما ستؤول إليه.

شارك المقال