4 آب 2021… انتفاضة تبلسم الجروح أو “انفجار” في النفوس؟

هيام طوق
هيام طوق

في مثل هذا اليوم من سنة 2020 قرابة السادسة مساء، انقلبت الحياة رأساً على عقب، وفي لحظة فتحت أبواب جهنم على مصراعيها، وتغيرت معالم العاصمة حتى ظن أهالي بيروت أن ما يجري من حولهم من دمار في المناطق والأحياء التي تحولت إلى مذبحة جماعية ليس سوى كابوس مزعج سيستفيقون منه عاجلاً.

كابوس لم يكن سوى حقيقة مرة، لا بل الأكثر مرارة في تاريخ لبنان والأكثر سواداً بالنسبة للبنانيين الذين ذاقوا كل أنواع العذابات والحروب. كابوس كان أكثر صعقاً من حدة الانفجار الذي دمر الحجر والبشر، مخلفاً أضراراً بمليارات الدولارات و6 آلاف جريح وأكثر من 200 شهيد، كان ذنبهم الوحيد حظهم السيئ الذي ضبط إيقاع أنفاسهم على عقارب ساعة مشؤومة قبضت على أرواحهم، وانتزعت منهم زهرة شبابهم، وتركت أهالي يحترقون بنار الفراق، وأقل ما يقال عنهم إنهم شهداء أحياء لأنهم أجساد تتحرك وتتنفس لكن بلا روح.

إنه الحظ السيئ في غفلة زمن صحيح، لكن الصحيح أيضاً أنهم يعيشون في بلد فقدت فيه كل مقومات الدولة، وحلّ محلها كل انواع الفساد واللامسؤولية والإهمال، لأن من هم في السلطة مشغولون بمكاسبهم وسمسراتهم ومصالحهم والمحافظة على كراسيهم غير آبهين بالناس وهمومهم حتى لو أصبحوا جميعهم شهداء في قعر جهنم.

اليوم، الرابع من آب سيحفر عميقاً في ذاكرة اللبنانيين، يوم لن ينساه الناس لمدى الحياة، وسيترك ندوبه الموجعة في النفوس لأجيال وأجيال. ندوب لن تتبلسم قبل معرفة الحقيقة كاملة في ثالث أكبر انفجار في العالم الذي حوّل بيروت ست الدنيا ولؤلؤة المتوسط إلى واحة رمادية تفوح من شوارعها وأزقتها رائحة الموت الذي قضى على الأخضر واليابس كما على أحلام قاطنيها. ندوب يرى كثيرون انها لن تتبلسم لأن العدالة في وطن تكثر فيه الجرائم بدون مجرم، ويعشعش فيه الفساد حتى العظم وما من فاسد، صعبة المنال.

منذ ذلك اليوم المشؤوم، وعلى مدى الأيام ومدار الساعات، لم يكف أهالي الشهداء عن المطالبة بكشف الحقيقة، ولن يقبلوا تحت أي ظرف من الظروف التراجع عن خطوات يقومون بها إحقاقاً للحق وإكراماً لأرواح شهدائهم. وأعلنوها صراحة وجهارة أن مرحلة التحركات السلمية ولّت إلى غير رجعة، وسيكون عنوان المرحلة المقبلة “مرحلة كسر عظم”، وأن ما بعد 4 آب لن يكون كما قبله، وأصبحت الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات لأنهم موجوعون ومفجوعون وأكبر الخاسرين في انفجار دخل إلى بيوتهم وغرف نومهم ومراكز عملهم، ولا يستطيعون الاستمرار في ضبط النفس بعد كل ما لمسوه من وعود كاذبة وعرقلة في التحقيقات، وهم مؤمنون بأنه إذا لم تتحقق عدالة الأرض فلا يمكن الهروب من عدالة السماء، وأن كل ما يبنى على باطل فهو باطل.

إحياء الذكرى اليوم يريدها الأهالي على قدر المناسبة، وبما يليق بتضحيات أبنائهم، ويريدونه يوماً جامعاً للتضامن والصلاة وللمطالبة بالحقيقة والعدالة، ويؤكدون أنهم غير مسؤولين عن أي غخلال بالأمن في حال حصل لأن ضبط الأمور من الانزلاق إلى مكان آخر من مسؤولية القوى الأمنية وليس من مسؤوليتهم.

ولأن الذكرى ليست عادية، وتمس كل اللبنانيين في الداخل والخارج، فإن النشاطات ستكون كثيرة ومتعددة على مدى مساحة الوطن وصولاً إلى آخر أصقاع الدنيا حيث ابتداء من ظهر اليوم ستنطلق مسيرات من المناطق وتنظم وقفات تضامنية من مختلف الجهات والهيئات والقطاعات، ويتم تدشين مجسمات ولوحات بأسماء الشهداء، وسيكون هناك تجمع في ساحتي الشهداء ورياض الصلح كما في مختلف المناطق إلى جانب القداس الذي سيرأسه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في المرفأ إضافة إلى إضاءة الشموع على الشرفات وقرع أجراس الكنائس كما ستعلو أصوات المآذن. كل ذلك يترافق بنشاطات ووقفات تضامنية سيقيمها اللبنانيون في مختلف عواصم ومدن العالم. وستخصص المحطات الإعلامية، يوماً طويلاً من النقل المباشرمن داخل المرفأ ومنطقتي الجميزة ومار مخايل ومقابلات مع مصابين وناجين وأهالي الضحايا، فضلاً عن تقارير وثائقية تمّ إعدادها للمناسبة. مع العلم أن رئاسة مجلس الوزراء كانت قد أصدرت مذكرة قضت بـ”إعلان الحداد الوطني وتعطيل الإدارات العامة والمؤسسات العامة​ و​البلديات​ في ذكرى فاجعة ​انفجار مرفأ بيروت​”، ورافقها إعلان عدد كبير من المؤسسات الخاصة والمهن والقطاعات، وقف العمل في هذا اليوم إكراماً للشهداء وافساحاً للمجال أمام الموظفين للمشاركة في التحركات الشعبية.

وعشية إحياء الذكرى، وفيما كان الأهالي والمعنيون يضعون اللمسات الأخيرة على التحضيرات لهذا اليوم الطويل، كشفت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقرير نشر أمس عن أن “مسؤولين لبنانيين علموا بمخاطر نيترات الأمونيوم قبل انفجارها ولم يتصرفوا، وأن رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب كانا على علم بمخاطر نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت”.

وبالتوازي لفتت منظمة العفو الدولية إلى أن “السلطات اللبنانية وعدت بإجراء تحقيق سريع، وبدلاً من ذلك أعاقت بوقاحة مجرى العدالة عند كل منعطف، وتلكأت في تحقيقها برغم الحملة المتواصلة التي قام بها الناجون وأسر الضحايا من أجل العدل والمساءلة الجنائية.

إقرأ أيضاً: “عروس بيروت”… حين يتحول الركام إلى حياة

مواقف المؤسسات الدولية لم تفاجئ أهالي الشهداء لأن برأيهم “القاصي والداني بات يعلم أن السلطة تعيق عمل التحقيق وأن المسؤولين بدءاً برأس الهرم كانوا على علم بوجود المواد المتفجرة الخطيرة في المرفأ. وما تقوم به السلطة بعدم رفع الحصانات، جريمة موصوفة، وقتل متعمد آخر للضحايا “كما يقول المتحدث باسم أهالي الشهداء ابراهيم حطيط الذي أشار في حديث مع ” لبنان الكبير” إلى أن “السلطة تقوم بكل شيء لإفشال الذكرى اليوم، وتحاول إثارة البلبلة وزرع الخوف في النفوس، وما تم الإعلان عنه عن وجود سيارة مفخخة في بعبدا ليس سوى فيلم من أفلامها المفبركة”.

وكلمة أخيرة من قلوب الأهالي قبل أن تدق ساعة الانفجار عند السادسة وبضع دقائق من مساء اليوم: “وحياة شبابكم وعيونكم لن نترك دماءكم تذهب هدراً حتى لو اضطررنا لأخذ حقكم بأيدينا”.

ويبقى أن نقول إنه بغض النظر عن المواقف والتصريحات والشائعات التي تزرع الخوف في النفوس، يأمل اللبنانيون أن يمر هذا اليوم على خير وبسلاسة دون السماح لطابور خامس في حرف النشاطات والتحركات عن مسارها السلمي وأهدافها الأساسية خصوصاً وان الكثيرين يعتبرون أن الذكرى السنوية الأولى ستكون انتفاضة شعبية لأرواح الشهداء، ويعلقون الآمال عليها في تغيير واقع مرير يعيشه كل لبناني، من خلال المطالبة بالعدالة التي هي أساس في بناء الأوطان، وهم على ثقة أن أرواح الشهداء ستكون تلك الشرارة التي سيزهر من خلالها ربيع لبنان.

شارك المقال