مصر ومستقبل غزة: تزايد الخطر مع انهيار التوازنات

حسناء بو حرفوش
مخيم خيام في رفح جنوبي قطاع غزة، شباط 2024. (رويترز)

شكلت العمليات العسكرية الاسرائيلية المستمرة والخسائر الفادحة في صفوف المدنيين في غزة اختباراً للالتزامات الانسانية الاقليمية والدولية ولجهود الاحتواء التي تبذلها مختلف الدول. وبالنسبة الى مصر يبدو أن “المخاطر إلى تزايد مع تصعيد المطالب” وفقاً لمقال رأي في موقع مركز “كارنيغي”.

وحسب المقال الذي يحمل توقيع الباحثين عمرو حمزاوي وراين جي، “تزعزع استقرار الاطار الثلاثي بين حماس والسلطة الفلسطينية وإسرائيل والذي طورته مصر بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005 واستيلاء حماس على السلطة عام 2007 لحماية مصالحها. وسلطت النزاعات حول السيطرة على محور صلاح الدين أو محور فيلادلفيا (شريط حدودي ضيق داخل أراضي قطاع غزة، يمتد بطول 14 كم على الحدود بين قطاع غزة ومصر)، الضوء على انهيار التوازنات المحتمل بين الأطراف الثلاثة، كما تعرضت العلاقة الثنائية بين مصر وكل من هذه الأطراف للتهديد.

ودعت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الى إحداث تغيير في الاطار الثلاثي من خلال إدراج عنصر جديد من شأنه الحفاظ على التوازن بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في فترة الحكم المرتقب ما بعد الحرب، بهدف الحفاظ على أولوياتها الأمنية. وينبع الاطار الثلاثي من أربع أولويات أمنية مصرية في ما يتعلق بقطاع غزة. وعملت مصر على تجنب الأزمة الانسانية في غزة ومنع النزوح الجماعي للفلسطينيين منذ بدء الحصار الاسرائيلي في العام 2007، مع منع تسلل الارهابيين إلى سيناء المصرية والحفاظ على معاهدة السلام المستدامة مع إسرائيل.

بالاضافة إلى ذلك، سمح الاطار الثلاثي للبلاد بالحفاظ على العلاقات مع حماس والسلطة الفلسطينية وإسرائيل. وعمل كنظام من الضوابط والتوازنات التي تسمح بالتعايش بين الجهات الفاعلة الثلاثة من منظور أمني مصري، مع تسليط الضوء على جهود المصالحة وصنع السلام في القاهرة. بالنسبة الى مصر، كانت حماس هي المحاور الرئيسي في غزة؛ والسلطة الفلسطينية، الحكومة المعترف بها دولياً والفاعل الرئيسي في الضفة الغربية والقدس الشرقية؛ وإسرائيل، القوة المهيمنة التي أبدت مصر استعدادها للتعاون معها لضمان الاستقرار.

وشكل استخدام مصر الاستراتيجي لحدودها مع غزة مثالاً على فاعلية الاطار الثلاثي. واستغلت سيطرتها على معبر رفح للضغط على حماس في بعض الأحيان، كما أيدت محادثات المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس. وعملت بصورة وثيقة مع إسرائيل للحد من تسلل الجهاديين إلى سيناء عبر غزة والحد من أنشطة التهريب التي تقوم بها حماس. كما تعاون البلدان أيضاً لمواصلة تنفيذ معاهدة السلام لعام 1979 بحسن نية. واليوم، تسببت الحرب في تعقيد هذه الأهداف والعلاقات، وتدهور الوضع الانساني في غزة بصورة كبيرة في الأشهر الأخيرة، حيث فقد أكثر من 23 ألف شخص حياتهم، وتعرض 85% من السكان للتهجير ودمرت أكثر من 60% من الوحدات السكنية منذ بداية الحرب. وطرح المسؤولون الاسرائيليون اليمينيون المتطرفون خططاً للتهجير الجماعي، ما أدى الى تضخيم المخاوف المصرية. وخلال الشهر الماضي، أحبطت مصر محاولة تهريب مخدرات على الحدود، ما يؤكد أن الانقسام مع القطاع من المرجح أن يصبح أكثر اضطراباً وعنفاً. ولا شك في أن تكرار اختراق الحدود في العام 2008، والذي دخل نتيجته نحو 200 ألف من سكان غزة إلى مصر، من شأنه أن يهدد الأمن القومي المصري، حسب القراءة.

وتعكس الخلافات حول السيطرة على محور صلاح الدين النهاية الوشيكة للتعايش الأمني بين حماس والسلطة الفلسطينية وإسرائيل ضمن الإطار الثلاثي المصري. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قد شدد على أن إسرائيل تعتزم السيطرة على هذا الممر من خلال إزالة المسؤولين الفلسطينيين [من حماس] وتمركز القوات الاسرائيلية. ويظهر إصرار إسرائيل على السيطرة على الممر عدم تسامحها مع نظام أمني تقوده حماس، وعدم ثقتها بعودة السلطة الفلسطينية إلى الحكم في غزة، وأنها عازمة على وقف تهديدات التهريب على الحدود عن طريق التدخل المباشر. وتحولت المقترحات الاسرائيلية، بصورة غير رسمية، من تبادل المعلومات الاستخبارية إلى اقتراح تمركز أجهزة أمنية إسرائيلية على الجانب المصري من الحدود. ورفضت مصر هذه المقترحات بشدة بحجة السيادة وحسن النية بتنفيذ الاتفاقات السابقة التي تنص على نزع السلاح على المحور.

ومن جانبها، ترفض السلطة الفلسطينية العودة إلى النظام الأمني والحكم الذي تقوده حماس في غزة. وعلى الرغم من تعاونها الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية، لا تثق بنوايا حكومة نتنياهو وسياساتها. وتدرك حماس، من جانبها، أنها تناضل أيضاً من أجل بقائها السياسي وترفض كل السيناريوهات التي قد تؤدي الى إزاحتها من حكم غزة. كما ترفض خطط إسرائيل لتعزيز اللجان المحلية لحكم القطاع بعد الحرب، وخطط السلطة الفلسطينية للعودة إلى غزة من دون إشراك حماس والفصائل الأخرى المتحالفة معها، والحال ينطبق على أي إدارة دولية مؤقتة لغزة.

وفي الوقت نفسه، ركزت مصر على خيار رابع يقتضي اتخاذ الحكومة الفلسطينية المستقبلية أحد الشكلين: الأول، حكومة فلسطينية مستقلة تكنوقراطية. والثاني، حكومة فلسطينية موحدة تحظى بالشرعية من منظمة التحرير الفلسطينية وتتضمن فصائل مختلفة. ومن شأن هذه الحكومة، بغض النظر عن تركيبتها، أن تقود الضفة الغربية وغزة عبر مرحلة انتقالية قبل إتاحة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لشخصية سياسية شرعية تخلف محمود عباس. وقوبل الخيار الأول بمقاومة فلسطينية واسعة النطاق. وتشعر السلطة الفلسطينية بالقلق من تهميشها في حكومة تكنوقراط، في حين يُزعم أن حماس والجهاد الإسلامي رفضتا الاقتراح لأنه يفضل التكنوقراط المستقلين. أما الخيار الثاني، فقوبل بالرفض من حماس على الرغم من قبول السلطة الفلسطينية بأغلبها، بحيث لا يزال انضمام الحركة إلى منظمة التحرير الفلسطينية غير مؤكد. وعلى الرغم من ذلك، من المرجح أن تستمر مصر في العمل على الخيار الرابع في محاولة لإنقاذ إطارها.

ولهذه الغاية، رفضت مصر احتمالات إعادة احتلال إسرائيل لغزة، أو تفويض إدارة غزة إلى لجان محلية مع إبقاء الأمن في أيدي القوات الاسرائيلية. كما أعربت القاهرة عن عزمها عدم المشاركة في أي إدارة دولية للأمن والحكم في غزة بعد الحرب. علاوة على ذلك، من المرجح أن تستمر مصر في تسهيل محادثات المصالحة الوطنية الفلسطينية تحت رعاية منظمة التحرير الفلسطينية، بهدف إشراك حماس وفصائل المقاومة الأخرى وتطوير رؤية فلسطينية مستقبلية مبنية على الإجماع.

ومن شأن المصالحة بين الفصائل الفلسطينية أن توفر ضمانات أفضل للأولويات الأمنية المصرية الأربع، وذلك لأن وجود حكومة فلسطينية شرعية فاعلة يسمح بالتعامل بصورة أفضل مع الاحتياجات الانسانية في غزة وقبول المساعدات الدولية وتجنب تهجير السكان الفلسطينيين وضمان الاستقرار على الحدود وحماية السلام المصري والاسرائيلي. وفي نهاية المطاف، تطمح مصر للعودة إلى المفاوضات على أساس حل الدولتين”.

شارك المقال