حرص الحريري على الدور المسيحي تكريساً وحماية للطائف

زياد سامي عيتاني

كان الشارع السني يعوّل على أن تكون ذكرى إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مختلفة عن السنتين الماضيتين، لجهة أن تكون مناسبة لاعلان نجله الرئيس سعد الحريري عن العودة الى ممارسة العمل السياسي. وعليه، استنفرت قيادات “المستقبل” كل طاقاتها، وأطلقت حملة تحشيد هائلة تحت شعار “تعوا ننزل ليرجع”، إيماناً واعتقاداً بأن مشهدية 14 شباط في حال نجاحها، ستشكل معطى سياسياً يصعب تجاوزه في أي تسوية مقبلة، وبالتالي فإن تلك المشهدية الجماهيرية، ستكون الفيصل في حسم قرار العودة إلى الميدان السياسي من عدمه. كما أنه سيكون الفيصل في أن يطلق الحريري مواقف سياسية، بعدما لاذ بالصمت المطبق في السنتين الماضيتين.

وبالفعل، فإن الحشود الكبيرة أمام ضريح صاحب الذكرى في ساحة “الحرية” وأمام “بيت الوسط” برمزيته السياسية والزعاماتية، أعادت تزخيم التعاطف السني تجاه الرئيس الحريري، في وقت تعيش فيه الطائفة السنية الفراغ المهيمن على الساحة السياسية، وهزالة الحضور السياسي. قد يكون العامل الجماهيري سبباً من جملة أسباب دفعت الرئيس الحريري الى إطلاق مواقف سياسية حيال المواضيع كافة، فضلاً عن توجيه رسائل في إتجاهات مختلفة. وكان لافتاً الطابع الوطني في الكلام السياسي للحريري، سواء خلال المقابلة التلفزيونية، أو خلال لقائه الاعلاميين، من دون الانزلاق إلى المربع المذهبي السني، معيداً بالذاكرة نهج والده الشهيد وأسلوبه، والذي كان على الدوام مترفعاً عن السياسات الفئوية الضيقة، ومرتقياً الى أعلى درجات المصلحة الوطنية الجامعة لكل اللبنانيين. فقد تحدث الحريري عن ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، معرباً عن خشيته من فقدان المسيحيين مراكزهم في الدولة. ووفق ما نقل عن مقربين منه، فإن هدفه من النصيحة تحذير المسيحيين من أن أداءهم قد يفقدهم مراكزهم في الدولة إذا طال الشغور لأنهم الحلقة الأضعف وقد يدفعون ثمن أية تسوية تطرح تغيير النظام، وأن الأمر سينسحب تلقائياً على موقع رئاسة الجمهورية خصوصاً إذا لم يقدم المسيحيون التنازلات.

واستند الحريري في إطلاق هذا التحذير بشكل نصيحة، إلى أن الفرقاء المسيحيين، منذ نهاية عهد الرئيس السابق ميشال عون في تشرين الأول 2020، فشلوا في التوصل إلى اتفاق بشأن مرشح توافقي، وظهرت تحذيرات على السطح من توجهات ترمي إلى الاخلال بمبدأ التوازن الطائفي في لبنان على مستوى التعيينات. كما ارتكز على التنبيهات التي أطلقها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مراراً من تفريغ المواقع المسيحية، محذراً من أن “إطالة الشغور الرئاسي سيتبعها بعد مدة شغور في كبريات المؤسسات الوطنية الدستورية والقضائية والمالية والعسكرية والديبلوماسية”. ويلفت المقربون من الحريري الى أن تركيزه على الموضوع المسيحي، ينبع من قناعته بأن المرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان تتطلب تضامناً وطنياً وإصراراً جامعاً على الحفاظ على الشراكة الوطنية، إنطلاقاً من حرصه الشديد على اتفاق “الطائف” الذي يقوم على المناصفة، تعزيزاً للتوازن الوطني الداخلي، بعيداً كل البعد عن منطق التفرد أو الهيمنة من هذا الفريق أو ذاك.

كما أن المقربين من الحريري يؤكدون أن موقفه لا يعكس قناعته بحتمية الشراكة الوطنية، بل انه يملك معطيات ومعلومات تجعله قلقاً على الصيغة اللبنانية التعددية، لذلك فهو أراد من خلال هذه النصيحة تحذير المسيحيين (من موقع الشريك) من ان أداءهم قد يفقدهم مراكزهم في الدولة اذا طال الشغور، لأنهم الحلقة الاضعف وقد يدفعون ثمن أي تسوية تطرح تغيير النظام، وان الأمر سينسحب تلقائياً على موقع رئاسة الجمهورية خصوصاً اذا لم يقدم المسيحيون التنازلات.

شارك المقال