4 أب 2020: ذبحونا من جوّا

هدى علاء الدين

تحلّ الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت الكارثي، على وقع استمرار المعاناة الهائلة التي خلّفتها تداعياته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، مفاقمة من حالة التدهور والانهيار الشامل التي تعصف بلبنان. المرفأ الذي كان يُعد الشريان الاقتصادي والبوابة التجارية للبنان نحو العالم، حوّلت نيترات الأمونيوم المخزنة فيه بيروت في ثوان معدودة إلى مدينة منكوبة نتيجة الإجرام والفساد والإهمال واللامسؤولية.

وفي تحقيق صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش”، حمل عنوان: “ذبحونا من جوا”، اتهمت المنظمة السلطات اللبنانية بالإهمال جنائياً وانتهاك الحق بالحياة بعدما أظهر تقصير مسؤولين سياسيين وأمنيين في متابعة قضية شحنة نيترات الأمونيوم التي أدت إلى وقوع انفجار المرفأ قبل عام. التقرير الذي صدر في 126 صفحة، عرض أدلة على السلوك الرسمي في سياق الفساد وسوء الإدارة منذ زمن طويل في المرفأ، الذي سمح بتخزين أطنان من المركّب الكيميائي القابل للانفجار عشوائياً وبطريقة غير آمنة لست سنوات تقريباً. إذ تسبب انفجار المادة الكيميائية بأحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، ودمّر المرفأ، وألحق أضراراً بأكثر من نصف المدينة. كما وثّق الأخطاء والإغفالات التي ارتكبها موظفون ومسؤولون سياسيون وأمنيون في طريقة إدارتهم لشحنة نيترات الأمونيوم منذ وصولها إلى المرفأ على متن سفينة روسوس عام 2013 و تخزينها لسنوات في المعبر رقم 12 حتى وقوع الانفجار.

وأوصت المنظمة بفرض عقوبات على المسؤولين وبإجراء الأمم المتحدة تحقيقاً مستقلاً في الكارثة التي أوقعت 214 قتيلاً على الأقل وأكثر من 6500 جريح، مشيرة إلى أن العديد من المسؤولين اللبنانيين كانوا، على أقل تقدير، مهملين جنائياً بموجب القانون اللبناني في تعاملهم مع الشحنة، ما أوجد خطراً غير معقول على الحياة. وقد أظهرت الوثائق الرسمية أن بعض المسؤولين الحكوميين توقعوا وقبلوا ضمنياً مخاطر الوفاة التي يشكلها وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ، وبموجب القانون المحلي، يمكن أن يرقى هذا الفعل إلى جريمة القتل قصداً و/أو القتل بغير قصد. أما بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن تقاعس الدولة عن التحرك لمنع المخاطر المتوقعة على الحياة ينتهك الحق في الحياة.

إقرأ أيضاً: إيرلنديون يتذكرون انفجار 4 آب… “بيروت لن تغادرنا أبداً”

هذا ووجهت “هيومن رايتس ووتش” أصابع الاتهام في تقريرها إلى كل من عون ودياب والمدير العام لجهاز أمن الدولة وقائد الجيش السابق ووزير المالية السابق ووزيري الأشغال العامة السابقين. واعتبرت أن هؤلاء، وغيرهم، فشلوا في اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الناس. ودعت المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات على المسؤولين المتورطين في الانتهاكات الحقوقية المستمرة المتعلقة بالانفجار والسعي إلى تقويض المساءلة، موصيةً مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بإجراء تحقيق مستقل من أجل تحديد الشرارة التي أودت إلى انفجار نحو 552 طناً من نترات الأمونيوم، وذلك بحسب تقدير مكتب التحقيقات الفدرالي، أي أقل بكثير من الـ2754 طناً التي وصلت إلى المرفأ، الأمر الذي يزيد من الشكوك حول فقدان كمية من هذه المواد من الشحنة.

365 يوماً مرّت على جريمة الأمونيوم ولا يزال القضاء اللبناني عاجزاً عن إظهار هوية المتسبب الرئيسي لها لأسباب يعرفها القاصي والداني، ليبقى قطار العدالة اليوم عالقاً بين سكتي رفع الحصانة واستنسابية التحقيق.

365 يوماً مرّت على جريمة الأمونيوم ولا تزال العديد من الأسئلة من دون أجوبة واضحة في ظل تجاذبات سياسية حوّلت جريمة المرفأ من نكبة وطنية إلى جرح طائفي لغايات سياسية انتخابية ضيقة. فهل سيُكتب للتحقيق القضائي اللبناني النجاح في الكشف عن هوية القاتل، أم ستُطوى فضائح هذه الجريمة في غياهب النسيان ومواربة الحقيقة؟

شارك المقال