مبادرة فرنسا كشفت خفة ديبلوماسيتها بشأن أزمات لبنان

زياد سامي عيتاني

عقب إتساع رقعة الاعتداءات الاسرائيلية في الجنوب الأسبوع الماضي، عندما استهدف أحد المباني في النبطية، وقبل توسعها أمس لتشمل الغازية، لاحت في الأفق جملة تساؤلات، أبرزها: هل بدأت كرة الثلج على الجبهة اللبنانية الاسرائيلية تتدحرج بطريقة أقرب الى الخروج عن السيطرة؟ هذا التطور الميداني المقلق، جاء في وقت تواصل الدول الغربية والحكومة اللبنانية مساعيها لتجنيب لبنان حرباً واسعة مع إسرائيل من شأنها إن حصلت أن تفاقم وضعه المزري أساساً بفعل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها منذ أكثر من أربع سنوات.

وتقدّمت فرنسا على يد وزير خارجيتها ستيفان سيجورنيه بمقترح مكتوب للبنان يهدف الى إنهاء التصعيد في الجنوب وفق خطة تهدئة قائمة على ثلاث مراحل:

– تهدئة تصل مدتها إلى نحو 10 أيام، ومن شأنها أن تنتهي بمفاوضات مرتبطة بالحدود.

– اقترحت المبادرة على الجماعات المسلحة اللبنانية تفكيك المباني والمنشآت القريبة من الحدود، وسحب القوات القتالية بمن فيهم مقاتلو “الرضوان” من “حزب الله” والقدرات العسكرية مثل الأنظمة المضادة للدبابات على بعد 10 كيلومترات على الأقل شمال الحدود.

– نشر نحو 15 ألف جندي من الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية، من شأنه أن يجعل مقاتلي “حزب الله” أقرب بكثير إلى الحدود من الانسحاب الى مسافة 30 كيلومتراً إلى نهر الليطاني، وهو ما نص عليه قرار الأمم المتحدة الذي أنهى الحرب مع إسرائيل في العام 2006.

ويهدف الاقتراح الى منع نشوب صراع يهدد بالخروج عن نطاق السيطرة، وفرض وقف محتمل لاطلاق النار، عندما تكون الظروف ملائمة، ويتصور في نهاية المطاف إجراء مفاوضات حول ترسيم الحدود البرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل. ووصف أحد المسؤولين اللبنانيين الوثيقة بأنها تجمع أفكاراً نوقشت في اتصالات مع مبعوثين غربيين، وتم نقلها إلى “حزب الله”، مضيفاً أن المسؤولين الفرنسيين أبلغوا اللبنانيين أنها ليست ورقة نهائية، وذلك بعد اعتراض بيروت على أجزاء منها. وأكد المسؤول اللبناني أن عناصر عدة أثارت قلقاً في بيروت، مثل مطالبة الجماعات المسلحة بهدم المباني والمنشآت القريبة من الحدود، والتي أشار المسؤول إلى أنها صيغت بصورة غامضة، وقد تستخدم للمطالبة باتخاذ خطوات ضد المؤسسات المدنية التابعة لـ “حزب الله”، والتي بالتأكيد ستقابل برفض جازم من الحزب، ما يطيح المقترح الفرنسي بأكمله، ويبقي الوضع في الجنوب أسيراً للميدان وتطوراته العسكرية.

يذكر أن المبادرة الفرنسية تزامنت مع كلمة للأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله اعتبر فيها أن الوفود الغربية تسعى الى التهويل على لبنان وتحمل إليه أوراقاً تركز على حماية إسرائيل، مضيفاً: “مارسوا التهويل ما شئتم فإن ذلك لن يؤثر علينا حتى شن الحرب لن يوقف عملياتنا”. وأكد نصر الله أن القصف الذي ينفذه الحزب عبر الحدود على إسرائيل لن يتوقف إلا عندما تتوقف الحرب في قطاع غزة، رابطاً مرة جديدة الوضع على الجبهة الجنوبية بمصير الحرب المفتوحة على غزة.

في هذا السياق، علينا العودة إلى تشرين الثاني الماضي عندما زار الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لبنان، كان العنوان العريض للزيارة يومها السعي الى استكمال المبادرة الفرنسية التي تهدف الى كسر الجمود السياسي اللبناني على المستوى الداخلي من بينها تشكيل حكومة مستقلين تقوم بالاشراف على انتخابات برلمانية تفضي الى انتخاب رئيس للجمهورية. في حينه، قيل إن ما حمله المبعوث الفرنسي ليس أكثر من رسالة تهديد للدولة اللبنانية في حال قرر “حزب الله” تصعيد هجماته على الشمال الاسرائيلي، لأن مبادرته قد تجاوزها الزمن، وباتت من الماضي، بعد عملية “طوفان الأقصى”، التي تبعها فتح جبهة الجنوب في اليوم التالي كجبهة مشاغلة.

يومها، أصيبت الديبلوماسية الفرنسية بنكسة جديدة، جراء طريقة تعاطيها مع الملف اللبناني، الذي لم يخرج يوماً عن الطموحات النفطية، حتى بات الرئيس ايمانويل ماكرون يتعاطى مع لبنان كمدير لشركة “توتال”، وليس كرئيس لفرنسا. ويبدو أن إدارة ماكرون لم تتعلم من الفشل المتكرر لديبلوماسيتها، فإن ما حمله الأسبوع الماضي وزير خارجيتها من أفكار، يفتقد الجدية العملانية، خصوصاً وأنها لا تتضمن أي بند يتعلق بانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، كما أنها لا تحمل أي ضمانات بشأن تمكين الجيش اللبناني “المنهك” من نشر 15 الف جندي.

إذاً، ومع تعاظم المخاطر التي تهدد لبنان، فإن المبادرة الفرنسية، لا يمكن وصفها سوى أنها تعبير سلوكي عما بلغته ديبلوماستها من خفة في تعاطيها مع ملف بحجم الأزمة اللبنانية بكل أبعادها.

شارك المقال