خلاف “توتال” والدولة… لبنان غير معتاد الـ corporate world

محمد شمس الدين

“طوفان الأقصى” وما تبعه من تصعيد في المنطقة وجنوب لبنان طغى على معظم الملفات الداخلية اللبنانية، وأحدها هو الغاز في المنطقة الاقتصادية اللبنانية في البحر، فبعدما لم تجد شركة “توتال” غازاً في البلوكين 4 و9، كانت الأنظار متجهة إلى البلوكين 8 و10، اللذين قدمت الشركة الفرنسية عرضين بشأنهما مطلع تشرين الأول الماضي، إلا أن الدولة اللبنانية، متمثلة في الحكومة، طلبت تعديل العرضين ليتناسبا مع دفتر الشروط المقر، ومنحت “توتال” مهلة حتى منتصف شباط الجاري لتعديل عرضيها، غير أن الشركة الفرنسية لم تنتظر انقضاء المهلة فردت في 5 شباط الجاري، رافضة أي تعديلات، وردت وزارة الطاقة على رد الشركة بالتهديد بأن يدخل البلوكان المذكوران ضمن مجموعة البلوكات الأخرى المعروضة في دورة التراخيص الثالثة، والمفتوحة حتى بداية الصيف المقبل أمام استقبال العروض.

مصدر مقرب من مرجعية سياسية قال في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “ليس سراً أن توتال تماطل في التزاماتها بشأن البلوكات التي لزمت لها في البحر اللبناني، ولكن هناك جانب آخر متعلق بالتصعيد في المنطقة، حيث أن شركات النفط حتى في الكيان الاسرائيلي سحبت موظفيها، وهي لا تعمل في مناطق الصراع عموماً”.

وشدد المصدر على أن “شركات النفط في نهاية الأمر تركز على تحقيق أكبر قدر من الأرباح للمساهمين فيها، ويجب أن يكون الموقف اللبناني صارماً ليستطيع انتزاع حقوقه من الغاز”.

إلى ذلك، شرحت الخبيرة في مجال حوكمة الطاقة ديانا القيسي لـ “لبنان الكبير” ماذا جرى في الفترة الأخيرة، موضحة أن “توتال حفرت في البلوكين رقم 4 و9، ولسوء الحظ لم تجد كميات غاز، وبعدها قدمت عرضين بالبلوكين 8 و10، وعادة يكون العرض مؤلفاً من جزءين، تقني وتجاري، وفيما كانت هناك بعض الملاحظات على الأول، رأت هيئة إدارة البترول أن العرض التجاري ليس مناسباً للدولة، وأشارت إلى وجوب إجراء مفاوضات حوله، وهذا ما قدمه مجلس الوزراء، إلا أن توتال يبدو أنها رفضت عازية السبب إلى عدم قدرتها على تكبد أكثر مما عرضت، وقد يكون هذا الأمر أفضل للبنان، كي لا نعطي الشركة ما تريد وتجد غازاً، وتكون حصة الدولة قليلة”.

ولفتت القيسي إلى أن “السيناريو المتوقع هو أن يُعاد إدراج البلوكين 8 و10 في جولة التراخيص الثالثة، وبطبيعة الحال سيكون في هذه الجولة 9 بلوكات معروضة، على أمل أن تكون هناك شهية من توتال وغيرها للاستثمار، ولكن لا شيء يساعد، إن كان لجهة التطورات في الاقليم أو الوضع المحلي، فالمستثمر كي يرغب في الاستثمار، علينا إظهار أننا نقوم بإصلاحات، وليس هناك هذا الكم من الانهيارات ولا هذا التخاصم الداخلي الشرس”.

سمة لبنان في الأداء الاداري هي التحاصص و”مرقلي تمرقلك”، وبالتالي فانه ليس معتاداً العمل بعقلية الـ corporate world، الذي هدفه تحقيق أكبر قدر من الأرباح لمالكيه، أو حاملي الأسهم لديه، لا سيما أن التعامل مع هذا النوع من العمل الذي ترتبط فيه الشركات بدولها الأم، يحتاج إلى جبهة موحدة داخلياً، لا منقسمة متكالبة على الحصص، ولذلك سيجد لبنان صعوبة جداً في التعامل بهذا الملف وتحقيق إنجازات فيه، وقد أخطأت القوى السياسية في وضع “بيضها كله في سلة واحدة”، بينما كان عليها تنويع مصادر الاقتصاد اللبناني، ووضع خطط بديلة في حال فشل الملف النفطي أو تأخر.

شارك المقال