هل يتحمّل لبنان ضربة اسرائيلية اقتصادياً واستشفائياً وعمرانياً؟

جورج حايك
جورج حايك

“لبنان لا يريد الحرب” ليس شعاراً نظرياً استعراضياً يتداوله اللبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي، إنما يعكس واقعاً مأساوياً يعيشونه وقد يُصبح كارثياً أكثر في حال وسّعت اسرائيل الحرب من جبهة الجنوب إلى العمق اللبناني، كما تًهددّ يومياً، فيما “حزب الله” يُعلن جهوزيته للحرب ومواجهة اسرائيل من الند إلى الند، لكن هل سأل نفسه ولو للحظة: هل لبنان قادر على تحمّل الحرب اقتصادياً واستشفائياً وعمرانياً؟

من المؤكّد أن هذه الأمور لا تأتي في أولويات “الحزب” ولا في أولويات مرجعيته الايرانية، فعندهما أجندة اقليمية، لا مكان فيها للمصلحة اللبنانية العليا، وبالتالي التزام “الحزب” بضوابط معيّنة في الجنوب لا علاقة له بالحرص على لبنان، إنما مصلحة إيران ومحورها أولاً.

لذلك لا شيء يمنع اسرائيل من التوسّع في الحرب، إذا بقي “الحزب” مصراً على ربط جبهة الجنوب بحرب غزة، على الرغم من اعتراض أكثرية القوى السياسية اللبنانية التي تمثّل كل مكوّنات الشعب اللبناني.

واللافت أن الوضع في لبنان اليوم مختلف عما كان عليه خلال حرب 2006، إذ يعاني من انهيار اقتصادي منذ العام 2019، وخسرت الليرة منذ ذلك الوقت 98 بالمئة من قيمتها. ويعيش نحو 80 بالمئة من اللبنانيين في فقر، وقبل 4 أعوام عجز لبنان عن سداد ديونه. ووصف البنك الدولي الوضع بأنه “من بين أسوأ الأزمات الاقتصادية على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”.

علماً أن بعض الدول العربية تولى في العام 2006، منح مساعدات غير مشروطة لاعادة الاعمار، أما اليوم فلا تظهر أي دولة أجنبية استعداداً لمساعدة لبنان. وقد بلغ حجم الخسائر على الاقتصاد والمالية العامة في لبنان بسبب حرب تموز 2006 نحو 1.6 مليار دولار، وذلك مع عدم احتساب الكلفة الاجمالية لأضرار البنى التحتية، التي تعرضت للتدمير بسبب القصف الاسرائيلي، والتي فاقت نفقات إعادة إعمارها حاجز الـ 2 مليار دولار أميركي! علماً أن الاقتصاد اللبناني عام 2006 كان مزدهراً، نظراً إلى وجود حكومة فاعلة ونظام مصرفي.

ويتوقّع المراقبون وخصوصاً العارفون بالاقتصاد أن تكون الخسائر البشرية والاقتصادية لأي حرب شاملة بين إسرائيل و”الحزب”، “فادحة” على لبنان وتفوق بأضعاف خسائر حرب 2006.

وهذا ما يؤكّده عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غسان حاصباني الذي يرى أن لبنان منهار اقتصادياً ومالياً ونقدياً، وبالتالي لا يتحمّل أي خلل، فكيف إذا شنّت اسرائيل حرباً واسعة بهذا الحجم؟ والأضرار التي لحقت بالجنوب حتى اليوم مأساوية وقد أدت إلى تهجير أكثر من 120 ألف مواطن، بسبب وجود قوى عسكرية خارج الجيش اللبناني تعمل على استجرار القصف إلى هذه المناطق ما يُسبب هذا التهجير الذي تترتب عليه كلفة اقتصادية كبيرة، ليس مؤهلاً لبنان لتحمّلها.

ويلفت حاصباني إلى أن التداعيات ستشمل ارتفاع الأسعار على السلع المستوردة بسبب ارتفاع كلفة التأمين، وقد بدأت تلوح في الأفق مخاوف من أي نوع من الاستثمار، وتراجع في نسبة اقبال المغتربين والسيّاح إلى لبنان بعدما شهدنا موسماً مزدهراً في هذا المجال.

أما إذا توسّعت الحرب فسنشهد خسائر بشرية ومادية هائلة وخسائر غير مباشرة على الصعيد الإقتصادي وفق حاصباني، ولا شك في أنه سيكون هناك إحجام عن الاستثمار في لبنان وتراجع في خطة التعافي المالية والاقتصادية التي ستبقى في الثلاجة بإنتظار نهاية الحرب.

وفي حال توسّع الحرب، تشير توقعات الاقتصاديين إلى انخفاض الناتج المحلي 30 في المئة في العام الجاري والذي كان يعاني من انخفاض حاد وصل إلى 18 مليار دولار.

وفي حال تصاعدت المواجهات نحو العمق اللبناني، فإن سعر صرف العملة اللبنانية، والذي يعد موضوعاً حيوياً وأساسياً، سيكون من أكبر المتأثرين سلباً بالأحداث، بحيث أن الخطوات التي قام بها مصرف لبنان، منذ آذار 2023 وحتى الساعة والتي أدت إلى خلق حالة من الاستقرار للعملة، قد لا تكون كافية في أجواء الحرب، التي ستشهد حاجة أكبر الى تأمين العملات الصعبة، في وقت أعلن فيه مصرف لبنان توقفه عن تمويل الدولة، علماً أن كلفة الحرب باهظة وتتطلب إمكانات مالية غير متوافرة حالياً، للدولة اللبنانية التي تعاني أصلاً من شح في التمويل.

والأخطر من ذلك، أن لبنان لا يستطيع تحمل تبعات أي حرب لأنه استنفد كل مناعته وامكاناته للصمود للأسباب المعروفة. وأي توسّع للحرب قد يحصل سيفاقم الأوضاع الاجتماعية سوءاً، ومن شأن ذلك أن يزيد من موجات هجرة اللبنانيين بمئات الآلاف الى الخارج، وهذا كله يصب في مصلحة التغيير الديموغرافي لتغيير وجه لبنان الحضاري والمتعدد المذاهب والعيش المشترك وقبول الآخر.

على الصعيد الصحي، ليس لدى لبنان مناعة ضد الحرب أيضاً، لأن الخدمات الصحية في أسوأ أوضاعها، وميزانية وزارة الصحة ليست كافية، إضافة إلى أن لبنان لا يملك بالإجمال شبكة حماية اجتماعية، وحوالي نصف مواطنيه ليست لديهم تغطية صحية.

ويوضح النائب حاصباني الذي كان وزيراً للصحة سابقاً، أن كلفة الاستشفاء في لبنان عالية جداً إضافة إلى عدم توافر كل المعدات والأدوية، وبالتالي إذا وقعت الحرب بالمعنى الواسع، فسيكون هناك ضغط على القطاع الاستشفائي، ليس من ناحية القدرة الاستيعابية فقط، إنما من ناحية الكلفة لأن وضع المستشفيات سيء، وكذلك وضع الأدوية غير سليم.

أما على صعيد البنية التحتية وقدرة المباني على تحمّل القنابل الذكيّة الاسرائيلية، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه، إذ نسمع يومياً عن سقوط مباني من دون تعرّضها للقصف أو زلازل طبيعية، فكيف بالأحرى إذا تعرّضت للقصف بقوة نارية كبيرة؟ ويؤكّد حاصباني هذا الأمر، لافتاً إلى أن كل المباني، سواء المهترئة أو الجيدة، ستتأثّر وتُدمّر، والمفارقة أن إعادة بنائها ستكون كلفتها عالية، ولا نظن أن الدول التي ساعدت لبنان عام 2006 مستعدة اليوم لفعل الأمر نفسه.

ويخلص حاصباني إلى القول: “علينا أن نتفادى جرّ لبنان إلى حرب بهذا الحجم، وهذا كلام منطقي لأن لبنان منهك على مختلف المستويات، والدولة شبه مفككة ومتحللة ومفلسة في ظل فراغ رئاسي وشلل حكومي ونيابي وإنقسام واشتباك حاد بين القوى السياسية وأزمات كارثية تطال كل الجوانب الحياتية وليس آخرها عبء النزوح السوري، فيما فاتورة الحرب كبيرة وباهظة الثمن، ولبنان لا يقوى على تحملها بتاتاً في ظل الظروف التي تَحكُم المرحلة الراهنة”.

شارك المقال