عون يتحرر من توريطات الحزب قاطعاً على باسيل المناورة

زياد سامي عيتاني

كان لافتاً ما أعلنه الرئيس السابق ميشال عون عبر محطته التلفزيونية، بعد إنقطاع عن الكلام منذ مغادرته قصر بعبدا، فالمواقف التي أطلقها بشأن جبهة الجنوب، لا يمكن إعتبارها عابرة، ولا زلة لسان، بل تعبّر عن جوهر موقف “العونية” السياسية، بعيداً عن تأثيرات صهره ووريث تياره جبران باسيل. وتكمن أهمية مواقف عون أنها جاءت على لسانه شخصياً، بما يمثله من “رمزية” لجمهوره ومناصريه وتياره من قياديين وكوادر، سواء من هم باتوا تحت إمرة باسيل، أو من تمت إقالتهم، أو من إنسحبوا طوعياً، رفضاً لقيادة باسيل للتيار، الذي تحوّل من تيار “عوني” إلى تيار “باسيلي”.

كان واضحاً أن عون هيأ وأعدّ إطلالته بدقة، ليبقى مسار الحوار في سياق الرسائل السياسية الحاسمة التي أراد أن يطلقها، في توقيت سياسي دقيق بالنسبة الى حليفه الاستراتيجي الذي أوصله إلى سدة الرئاسة، أي “حزب الله”، وذلك لقطع الشك باليقين، ولازالة أي إلتباس أو إجتهاد بشأن موقفه من التطورات الميدانية على جبهة الجنوب. واختار عون موعداً “خبيثاً” لإطلاق مواقفه، مع إرتسام مخاوف من مسار جديد في إطار المواجهة بين “حزب الله” وإسرائيل، بعد التطور الخطير الذي شكله تنفيذ الأخيرة غارتيْن في منطقة الغازية، جنوب صيدا، بعمقيه الجغرافي والعسكري.

ومن خلال ما أدلى به عون، فمن المؤكد أنه تعبير عن عمق الخلاف بينه و”حزب الله” وجوهره، وإن بقي مضبوطاً إعلامياً في الفترة السابقة. ولكن أن يطفو الخلاف على سطح الاعلام وبلسان عون حول مسألة تتعلق بأهم إستراتيجية لدى “حزب الله”، فإن ذلك يتجاوز كونه إنعكاساً للخلافات في الشأن السياسي المحلي، ليبلغ حد رفع الغطاء المسيحي عن سياسة الحزب ودوره، ورمي الحرم السياسي عليه، ما يتماهى مع مواقف باقي الأطراف المسيحية بشأن جبهة الجنوب، وفي مقدمها الخصم اللدود للتيار المتمثل في حزب “القوات اللبنانية”.

وهذا ما تجلى بكل وضوح في قول عون: “لسنا مرتبطين مع غزة بمعاهدة دفاع، ومَن يمكنه ربط الجبهات هو جامعة الدول العربية، لكن قسماً من الشعب اللبناني قام بخيار والحكومة عاجزة عن اتخاذ موقف والانتصار يكون للوطن وليس لقسم منه”. واسترسل قائلاً: “القول ان الاشتراك في الحرب استباق لاعتداءٍ اسرائيلي على لبنان هو مجرد رأي، والدخول في المواجهة قد لا يُبْعِد الخطر بل يزيده”. وذهب عون بعيداً في إتهام “حزب الله” بأنه يسعى الى إبرام صفقة بشأن رئاسة الجمهورية، في ضوء التطورات في كل من غزة والجنوب، واصفاً ذلك بأنه “أمر غير جائز سيادياً وإلا تكون تضحيات الشهداء ذهبت سُدى وتكون أكبر خسارة للبنان”.

وأعقبت مواقف عون التي عرضته لحملة قاسية، بلغت حد التخوين، اطلاق صهره جبران باسيل مواقف، وصفت بالملتبسة و”حمالة أوجه”، محاولاً تلطيف مواقف عون الحادة والحاسمة، لعدم “كسر الجرة” مع الحزب، بحيث أكد الوقوف مع المقاومة لحماية لبنان، في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية وهذا أساس وثيقة التفاهم. لكنه إستطرد قائلاً: “نحن مع الدفاع عن لبنان ولسنا مع تحميله مسؤولية تحرير فلسطين، ولسنا مع وحدة الساحات أي ربط لبنان بجبهات أخرى، وتحديداً ربط وقف حرب الجنوب بوقف حرب غزّة، مع فهْمنا لدوافعها، ولسنا مع استعمال لبنان منصّة هجمات على فلسطين المحتلّة، فليس بإمكان لبنان أن يدفع وحده، عن كل العرب، ثمن استحصال الفلسطينيين على حقوقهم”. وشدد على “أننا لا نريد أخذ لبنان الى الحرب اذا كان القرار في يد لبنان أو المقاومة فيه”.

أحد القياديين السابقين في “التيار الوطني الحر” (أقصاه باسيل) أكد أن الرئيس عون حدد بصورة جازمة موقف التيار من فتح “حزب الله” لجبهة الجنوب تحت مسمى “المشاغلة”، مفوّتاً الفرصة أمام جبران لاطلاق مواقف مؤيدة، لمقايضة الحزب بالموضوع الرئاسي. وأضاف القيادي: ان باسيل بعد موقف “الجنرال” بات محرجاً فليس بمقدوره الاطالة في الثوابت التي حددها عون، وفي المقابل هو يحرص على العلاقة مع الحزب لتحقيق مصالحه السلطوية، على الرغم من إعتماده من وقت الى آخر أسلوب “الغنج السياسي” معه على سبيل المناورة.

وأكد القيادي أن إضطرار عون للتعبير شخصياً عن موقفه من التطورات على الحدود الحنوبية وإنعكاساتها على الداخل اللبناني، يعكس عدم رضى “الجنرال” عن الكثير من خيارات باسيل، وبالتالي فإن من الممكن أن تكون خطوة تمهيدية نحو إعادة هيكلية التيار من خلال إعتماد قيادة جماعية، لكسر أحادية باسيل وذاتيته التسلطية.

شارك المقال