طهران وواشنطن: حرب بالوكالة مع ضبط صارم للنفس!

حسناء بو حرفوش

خلص تحليل يحمل توقيع إيان بريمر، المحلل ومؤسس موقع GZERO Media السياسي، إلى أن “إيران تعمل على إبعاد نفسها عن حافة الحرب بل وربما ترحب بوقف إطلاق النار في غزة، بالتوازي مع تصاعد التهديدات الاسرائيلية بشن هجوم على رفح. وهذا ما ينطبق على الولايات المتحدة بدورها كما بات معروفاً للجميع”.

ووفقاً للتحليل، “عمدت إيران منذ الهجمات التي نفذها وكلاؤها في العراق في 28 يناير/كانون الثاني، الى إرسال إشارات إلى حلفائها في جبهة المقاومة لتهدئتها وتجنب الأعمال التي قد تولد ردود فعل انتقامية من إسرائيل أو الولايات المتحدة. وكان قائد فيلق القدس الايراني قد سافر إلى العراق في يناير/كانون الثاني وأمر حلفاء إيران هناك بوقف مهاجمة القوات الأميركية. ويبدو أن الضغط الذي تمارسه طهران فاعل، أقله حتى الآن: فمنذ 4 فبراير/شباط، لم يتم استهداف أي قوات أميركية. كما طلبت إيران من أقرب حلفائها، حزب الله، تجنب استفزاز إسرائيل على الرغم من ارتفاع حدة التوتر على الحدود بين إسرائيل ولبنان”.

“وبينما واصل الحوثيون، أي حلفاء إيران في اليمن، هجماتهم ضد السفن التجارية، اتخذت إيران خطوة ملحوظة لحماية أصولها في البحر الأحمر، ورست حسب التحليل، سفينة المراقبة الإيرانية،MV Behshad، التي يُعتقد على نطاق واسع أنها تساعد الحوثيين في عمليات الاستهداف، بالقرب من سرب صيني في جيبوتي ولم تعد تشارك بنشاط في عمليات الحوثيين. كما أشارت دلائل أولية إلى التباطؤ في تخصيب إيران لليورانيوم بعض الشيء، وعلى الرغم من استمرار عمليات التخصيب، لا تبدو إيران مهتمة بتصنيع قنبلة نووية كما كانت في السابق.

ولا شك في أن الخطاب الايراني لا يزال عالي اللهجة، لكن الأفعال موجهة في الوقت الحالي على الأقل، باتجاه منع توسع رقعة الصراع في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من صعوبة التكهن بخطط إيران، يمكن افتراض أنها تفضل الابتعاد عن الحرب من أجل الحفاظ على الذات وإدارة المخاطر. وكما هي الحال في الغالب، تشعر قيادة الجمهورية الاسلامية بالقلق أولاً وقبل كل شيء بشأن قدرتها على البقاء. وفي حين أنها حققت بعض المكاسب من الأزمة حتى الآن، تحاول إيران تجنب معركة أكبر يمكن أن تعرض موقفها الاقليمي للخطر وتضع المزيد من الضغوط على أمنها الداخلي الهش.

إيران هي الفائزة حتى الساعة، ولذلك تريد أن تبقي الأمر على هذا النحو. ووضع هجوم 7 أكتوبر إسرائيل في مواجهة أزمة أمنية داخلية وأدخل الجيش الاسرائيلي في حرب غزة التي لم يخرج منها بعد. إيران واثقة من أن حماس سوف تنجو من هذه الحرب، وهي تدرك أنها قد تشتت حماس لكنها لن تلغيها. ومن ناحية أخرى، ستخرج إسرائيل متضررة بشدة ديبلوماسياً ومعنوياً (إن لم يكن أيضاً اقتصادياً وعسكرياً).

كما حاولت إيران استثمار الأزمة في علاقات أوثق مع دول الشرق الأوسط الأخرى. وفي الوقت نفسه، أثبت تحالف جبهة المقاومة قدرته على التنسيق بشأن استراتيجية كبرى كما لم يحدث من قبل. فقد شن حلفاء إيران مئات الهجمات للاشارة إلى تضامنهم مع حماس، كما أغلق الحوثيون فعلياً البحر الأحمر أمام الشحن الغربي.

وعلى الرغم من تقدم إيران في هذه الحرب بالوكالة، يكاد هذا التوازن يتغير في حال اتسع نطاق الصراع. وتتحدث إيران بصورة صارمة، وقد أصبح حلفاؤها الاقليميون أكثر جرأة، ولكن الصراع العسكري التقليدي مع إسرائيل لن يستمر، فباستثناء مجموعة الصواريخ الباليستية، معظم الجيش الايراني مبني على معدات تعود إلى حقبة الحرب الباردة. وتدرك إيران جيداً التهديد الاسرائيلي لحزب الله، حليف إيران الأكبر والأقوى. وإذا اندلعت الحرب على طول الحدود الشمالية لاسرائيل، ستشعر إيران بأنها ملزمة بالتدخل ودعم حليفها، ما سيجعلها تخاطر بالمزيد من قواتها في معركة ساحقة مع إسرائيل.

وينطبق الشيء نفسه على القتال مع الولايات المتحدة، التي تريد إيران إخراجها من العراق وسوريا وقد دعمت مجموعة متنوعة من الميليشيات والوكلاء لهذا الهدف. ومع ذلك، لطالما فضلت إيران الصبر الاستراتيجي وكانت تنتظر على أمل أن يجبر الضغط التدريجي الولايات المتحدة على الخروج في الوقت المناسب، من دون الحاجة إلى التصعيد وصولاً إلى معركة دموية كبيرة.

بالاضافة إلى ذلك، يحرص قادة إيران على منع عودة الحرب إلى ديارهم وتشعر طهران بالقلق من توسع الصراع بسبب تأثيره على الجبهة الداخلية. وانطلاقاً من ذكرى موجة الاحتجاجات التي اندلعت عام 2022، يتمسك النظام بحرصه على تهدئة العنف الداخلي وعدم الاستقرار، خصوصاً وأن أزمة الخلافة قد تطرأ في أي لحظة.

بدورها، تحرص الولايات المتحدة أيضاً على تجنب معركة أكبر، ولذلك تعمل على احتواء الأزمة. وفي أعقاب الهجوم في الأردن، أشار الرئيس جو بايدن إلى أنه سيكون هناك انتقام أميركي، لكنه انتظر أسبوعاً للرد، ما أعطى إيران متسعاً من الوقت لسحب قواتها من سوريا. أما الضربات الأميركية الأخرى بما في ذلك في بغداد فبقيت ضمن عتبة التصعيد.

لا شك في أن نهاية الأزمة أبعد من أن تكون وشيكة وتبقى المخاطر المتصاعدة قائمة إلى حد كبير. ويواصل الحوثيون إطلاق الصواريخ على السفن، وقد صعّدوا من لعبتهم لتشمل غواصات يصعب اكتشافها. وربما توقف وكلاء إيران في العراق عن مهاجمة القوات الأميركية، لكن ليس هناك ما يضمن استمرار هذا الوضع. وقد أثبتت طهران أن لديها نفوذاً على هذه الجماعات، وتستطيع إصدار الأوامر لها، لكنها تفتقر الى السيطرة الكاملة. فماذا قد تفعل إيران إذا تصاعد الصراع وردت واشنطن مثلاً على ضرب صاروخ حوثي سفينة حربية أميركية؟”.

شارك المقال