تصدير الثورة ومصادرة القرار اللبناني

الراجح
الراجح

أعتذر للخروج عن الموضوع قبل أن أبدأ به، إلا أنها مسألة توضيح لكل العاتبين على الرئيس سعد الحريري لعدم تلبية طلب الاجتماع به. للعلم، كان هناك 2256 طالب لقاء – أي أكثر من الأصوات التفضيلية لبعض النواب “البدائل”. فإذا أخذنا معدلاً وسطياً 40 دقيقة لكل لقاء، يعني 2256 x 40 = 90240 دقيقة، تقسم على 60 فتساوي 1504 ساعات، تقسم على 24 فتساوي 62 يوماً من دون نوم. هذا يعني أنه في حال النوم وتناول الطعام، كان الرئيس سينهي الاجتماع الأخير على عجل ليستطيع الوصول إلى ضريح والده الشهيد قبل الساعة الواحدة من 14 شباط عام 2025 – اقتضى التوضيح.

بالعودة إلى الموضوع، وزَّع القائد الأعلى للثورة الاسلامية السيد علي خامنئي كلمة ألقاها خلال استقباله “أعضاء المؤتمر الوطني لتخليد ذكرى شهداء طهران”.

الملفت في كلمة السيد خامنئي اعتباره أن تصدير الثورة الاسلامية تم بصورة تلقائية، بحيث قال: “فنحن لم نعطِ الأوامر لأحد بل هذا هو تأثير الثورة (الاسلامية) فكما قلت مراراً إن الثورة كهواء الربيع والهواء الطيب ولا يمكن منع انبعاثه ومنع فوحان عطر الربيع والأزهار الّذي يعم في باقي المناطق وينتشر، فلا يمكن منعه، وليس ضرورياً أن يقوم أحد بتصديره بل انه يصدر بصورة طبيعية…”.

أما بقية المواضيع أو النقاط المهمة فتمثّلت في تنديد السيد خامنئي بسلوك المسؤولين في الدول الاسلامية الذين يطالبون بما ليس بيدهم، وقصد المطالبة بوقف الحرب في غزة.

والنقطة الأكثر أهمية وإثارة في آن هي قوله: “ان الرحمة الإلهية شملت الشعب الايراني حينما وقعت الثورة ولولاها لكانت أوضاع إيران أشد تردياً من الدول كافة التي تعاني من التبعية، فالثورة الاسلامية حالت دون السقوط المطلق وأنقذت البلاد”.

الصادم في هذا الكلام هو مجموعة من الحقائق التي لا تحتاج إلى معلومات ولا إلى تحليل وتتعلق بتصدير الثورة التي وصفها السيد خامنئي برياح الربيع والهواء الطيب، وهي في الحقيقة كانت كالرياح الخمسينية التي تهب في الربيع – وهي رياح حارقة حرقت في طريقها العراق وسوريا ولبنان وأخيراً، أو ما قبل الأخير، اليمن!

الكل يعلم كم صرفت إيران من ميزانيتها لعملية التصدير، وكم خسرت من رموز قضوا حيث التصدير لهذه الثورة، ومن أهمها… قاسم سليماني.

ما تتجاهله أو تجهله القيادة الايرانية، لا أعرف، أن الثورات لا تصَدَّر لكن قيمها قابلة للانتشار. والفارق كبير بين تصدير الثورة وبين انتشار قيمها، لذا من الصعب، لا بل المستحيل، أن يتصور أحد أن “الثورة الاسلامية في إيران”، والتي قدمت نفسها في إطار مذهب واحد، وانطلقت من بلد واحد، باستطاعتها أن تصدِّر أو تنشر قيمها، إلا إذا استخدمت في ذلك سلطة الدولة، كما في إيران نفسها، وسلطة الميليشيات، كما في دول الانتشار العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهذا الانتشار ليس جاذبية الثورة على الاطلاق.

كان ولا يزال مأزق “الثورة الاسلامية في إيران”، وما أحاط بهذا المأزق من عداوات ومن عقوبات، نتيجة مؤكدة، لا بل حتميّة، لتجاهل حدود القوة أو الجهل بها، وهذا منزلق كبير في الخلط بين الثورة والدولة.

هذا ما يؤكده الواقع السياسي والاقتصادي في إيران وفي الدول كافة التي لأذرع إيران دور فيها، حيث لا نرى إلا سيطرة قائمة على التخلف والانهيارات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية؛ هذا لأن التقدم والتنمية وثقافة الحياة هي وسائل السيطرة الجديدة.

أنتم متقدمون، إذاً فأنتم سادة؛ أنتم متخلفون إذاً فأنتم مقهورون تابعون مهما رفعتم من شعارات ومن أوهام الانتصارات ومن قصاصات قماش سميتموها أعلاماً.

شارك المقال