إستفاقة “مسيحية” متأخرة لعون وباسيل

زياد سامي عيتاني

إطلالة الرئيس السابق ومؤسس “التيار الوطني الحر” ميشال عون مؤخراً في حوار معد على قناة “أو.تي.في” الناطقة باسم التيار، بعد غياب طويل عن الاعلام، لم يكن حدثاً عادياً أو عابراً. فالاطلالة الاعلامية كان هدفها الاعلان عن موقف عالي السقف ومبدئي تجاه “حزب الله” بشأن التطورات على الساحة الجنوبية، بحيث عبّر بصورة حاسمة وجازمة عن رفضه زج لبنان في صراعات المنطقة، لينضم بذلك إلى موقف بقية المكونات المسيحية التي سبق وأعلنت معارضتها للمواجهات الدائرة في جنوب لبنان. وأتبعت مواقف عون بموقف مماثل لصهره الممسك بقرار التيار، فأكد “ان التيار ليس مع وحدة الساحات أي ربط لبنان بجبهات أخرى وتحديداً ربط وقف حرب الجنوب بوقف حرب غزّة”.

وقد أثار هذا الموقف “النافر” لمؤسس التيار ورئيسه جدلاً سياسياً واسعاً، لما يحمل من دلالات بالغة عن مستقبل تفاهم “مار مخايل” بين الطرفين، الذي نظم علاقة إستراتيجية بينهما، وكان “المنصة” السياسية، التي جاءت بعون رئيساً للجمهورية كمرشح أوحد وحصري للحزب. فهذا الموقف قد يشكل مقدمة لإطاحة التفاهم “المهزوز”، والذي خضع مرات عديدة للترميم، حتى بات في الفترة الأخيرة يعيش على أجهزة “التنفس الاصطناعي”، خصوصاً وأنه يمس جوهره المتمثل في المادة العاشرة منه، التي تنص على: “حماية لبنان وصون استقلاله وسيادته هما مسؤولية وواجب وطني لا سيما في مواجهة أي تهديدات أو أخطار يمكن أن تنال منهما من أي جهة أتت. من هنا، فإن حمل السلاح ليس هدفاً بذاته وإنما وسيلة شريفة مقدسة تمارسها أي جماعة تحتلّ أرضها تماماً، كما هي أساليب المقاومة السياسية”.

لكن ما استوقف المراقبين، أن باسيل ذهب إلى ما هو أبعد من التخوف من إندلاع حرب شاملة، عندما ربط الموضوع الجنوبي بالموضوع “المسيحي”، اذتحدث عن خطر “علينا حماية أنفسنا منه وهو خطر الممارسات السياسية لشركائنا في الوطن والتي أصبحت تهدّد وجود الدولة ووحدة الوطن، وهذا الخطر يتمثل في عملية إقصاء ممنهجة للمسيحيين عن الحكم وعن الدولة إدارة واقتصاداً، بدءاً من اختيار رئيس نيابة عنهم أو منعهم من انتخاب الرئيس، وصولاً إلى انتهاك الدستور والميثاق وضرب الشراكة في الحكومة والمجلس النيابي”.

والربط بين “الخطرين” بحسب باسيل، فسره المراقبون بأنه إلتفاتة مسيحية “متأخرة”، هي أشبه بالعودة إلى “بيت الطاعة”، أي إلى البيئة المسيحية، بعد فترة طويلة من “المهاجرة”، بهدف إستعادة التيار لشعبيته المسيحية التي خسر الكثير منها جراء تحالفه مع الحزب. لكن أوساط التيار، تنفي إستغلال هذه اللحظة الأمنية الخطرة، للتحول سياسياً بالتالي الى اعادة التموضع مسيحياً، مؤكدة أن الموضوع المتعلق بالحدود الجنوبية مبدئي ويعبّر عن قناعة التيار، أما في ما يتعلق بالملف المسيحي، فإن الخلافات في وجهات النظر والمقاربات تراكمت وتفاقمت بصورة عميقة في العديد من الملفات، وفي مقدمها رئاسة الجمهورية بحيث يتمسك “حزب الله” بمرشحه زعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية، وهو ما يرفضه بشدة التيار.

وتضيف أوساط التيار أن الحزب في الآونة الأخيرة لم يعد يراعي مفاعيل التفاهم، خصوصاً عندما قرر المشاركة في جلسات حكومية أفرزت تعيينات هي محل رفض التيار، والتي كان آخرها تعيين حسان عودة رئيس أركان للجيش اللبناني، وقبلها مشاركة نواب الحزب في جلسة التمديد لقائد الجيش جوزيف عون في البرلمان، التي قاطعها التيار. وتتهم الأوساط عينها الثنائي الشيعي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي ينفذ مطالبهما، بأنهما يهمشان في مراكز القرار اللبناني.

وسط هذه الانتفاضة “العونية”، لم يصدر عن “حزب الله” أي موقف أو رد، إذ بقي محافظاً على صمته، بحيث يؤكد مقربون منه أن كل اهتماماته في ظل الأوضاع الخطيرة في المنطقة منصبة على الجبهة الجنوبية والتطورات المتسارعة في المنطقة.

بين صمت “حزب الله” والمواقف المتشنجة لعون وباسيل منه، فإن المتابعين يرون أن هذين الأخيرين يستشعران صفقة تلوح في الأفق على قاعدة “تهدئة الجبهة الجنوبية، مقابل رئاسة الجمهورية”، مع تمسك الحزب بمرشحه سليمان فرنجية للرئاسة، ما يعني أن التيار بعدما خسر كثيراً داخل بيئته المسيحية، بحجة أنه شكل غطاءً لسياسات “حزب الله”، فإنه سيفقد الامتيازات السياسية التي حظي بها خلال حقبة عون الرئاسية، والتي ستنتقل الى أشرس خصم له، أي فرنجية في حال وصوله الى قصر بعبدا، ما سيضاعف من خسائره السياسية والشعبية. وهذا الاستشراف دفع عون وباسيل الى الإستدارة، بهدف شد العصب المسيحي لـ “التيار الوطني الحر”، وكذلك ملاقاة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في منتصف طريق رفضهما بوصول خصميهما سليمان فرنجية الى سدة الرئاسة.

شارك المقال