زيارة السفراء العرب إلى طرابلس: فرصة استثمارية تُعيد زخم الماضي

إسراء ديب
إسراء ديب

لا تتردّد مدينة طرابلس في تلقّف كلّ فرصة تُظهر صورتها وقدراتها الحقيقية وتدعم اقتصادها المتقهقر منذ أعوام، فعلى الرّغم من الصعوبات الأمنية والسياسية التي تُواجهها البلاد مع تطوّرات حرب الجنوب التي ضربت الاقتصاد والاستحقاق الرئاسي الذي غيّب أبرز المقرّرات، إلا أنّ المدينة تستعدّ لرفع الستار عن فعاليتها الثقافية التي من المقرّر إطلاقها في 25 أيّار المقبل، بخطوة أولى فاعلة وقائمة على استقبالها سفراء الدّول العربية المعتمدين في لبنان، الأمر الذي يُشعر المواطنين بقرب حلول الفعاليات المنتظرة فعلياً، وبمدى جدّيتها وإصرارها على فرض طموحها في مدينة لم تستسلم للصورة النمطية التي عمد أهاليها إلى كسرها في مراحل صعبة لا يُستهان بها.

وبدعوة من وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمّد المرتضى، وبحضور وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، لبّى السفراء الدّعوة إلى زيارة الفيحاء “لتعميق معرفتهم بها وبمعالمها الأثرية والتراثية، وللقاء مرجعياتها الروحية والسياسية”. وضمّ الوفد سفراء: مصر علاء موسى، فلسطين أشرف دبور، الجزائر رشيد بلباقي، تونس بوراي الامام، سلطنة عمان أحمد بن محمّد السعيدي، الأردن وليد الحديد، القائم بأعمال سفارة الكويت عبد الله شاهين، القائم بأعمال سفارة العراق أمين النصراوي، القائم بأعمال سفارة قطر علي المطاوعة، والقائم بأعمال سفارة سوريا علي دغمان، كما شارك سفير كازاخستان رسول جومالي.

الزيارة التي بدأت منذ التاسعة صباحاً في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال، انتهت عند قرابة الساعة الثالثة، لكنّها لم تشمل كلّ المعالم التي تحتاج إلى أكثر من زيارة لتفقّدها بتفاصيلها العريقة، بحيث شملت المعالم “الخاطفة” التي تحثّ السفراء المحلّيين المشاركين فيها، على كتابة ما يُشبه التقارير أو الوجهة التي تصف حال البنى التحتية والتراثية في المدينة، لتشجيع وزراء خارجيتها وثقافتها على زيارتها بعد إطلاق فعاليات طرابلس عاصمة للثقافة العربية عام 2024 قريباً، والتي لا تزال تُعوّل حتّى اللحظة على التمويل الذاتي والمبادرات القائمة إلى الآن وتُعاني من عدم وجود فندق يستطيع استقطاب الأعداد القادمة، إذْ أنها تعتمد على بيوت الضيافة التي لا تتعدّى العشرين”، وفق معطيات “لبنان الكبير”.

وفي التفاصيل، استقبل رئيس غرفة التجارة توفيق دبوسي الوفد وأقام من أجله حفل استقبال تخلّله فطور صباحيّ، شكر خلاله دبوسي الوزير المرتضى على جهده لاطلاق الفعاليات من غرفة التجارة “التي تمتلك استراتيجية اقتصادية متكاملة وشاملة تُؤهلها لتكون عاصمة لبنان الاقتصادية التي تُشكّل منصّة لجذب الاستثمارات اللبنانية العربية والدولية وتُشكّل أوسع صيغة لإطلاق شراكات مع العرب”.

وعُرضت في الغرفة أفلام وثائقية عن طرابلس تلتها محاضرة تعريفية قدّمها كلّ من المهندسيْن بسام زودة ورئيس قسم العمارة في الجامعة اللبنانية وسيم ناغي، تحدّثا فيها عن تاريخ المدينة من القرون الوسطى حتّى يومنا هذا مع عرضهما المقوّمات التاريخية والحضارية لمدينة طرابلس.

وفي جولة ميدانية بدأت من مسجد طينال الذي بُنيَ سنة 736 هجرية، أيّ 1377 ميلادية، على أنقاض كنيسة صليبية كانت مُهدَّمة بعد فتح طرابلس بقيادة السلطان المملوكي المنصور قلاوون، توجّه الوفد مباشرة إلى ضريح الشهيد رشيد كرامي حيث قرأت الفاتحة وألقيت كلمة من أحد ممثلي النائب فيصل كرامي الذي غاب عن الحضور “نظراً الى ارتباطه بموعد آخر”.

ومن معلم طرابلس الدينيّ والوطنيّ إلى معلمها التراثيّ أيّ قلعة طرابلس حيث جرى عرض بانورامي للمدينة من قلعتها التي ذُهل السفراء بتفاصيلها العمرانية والأثرية، الأمر الذي دفع بعض المتابعين فيها إلى الاستغراب من كيفية إدخال الموظفين السفراء برفقة المرتضى إلى متاحف القلعة وهم في حال إضراب منعوا بسببه دخول السياح إليها في الأيام السابقة، في وقتٍ لا يُخفي فيه البعض الآخر أنّ إدخال السفراء أمر طبيعيّ وروتيني وأنّ افتعال أيّ مشكلة كان سيضرّ بصورة المدينة وهيبة معنييها في هذه الظروف.

وانتقل السفراء برفقة عناصر بلدية وأمنية إلى معرض رشيد كرامي الدّولي الذي يُعدّ محطّة رئيسة في المدينة التي لم تشعر يوماً بقدرة الرسميين على تفعيل هذا المركز الذي يتمتّع بقيمة عمرانية لا تُقدّر بثمن، ولكونه فرصة إنمائية ضائعة مع تعمّد تضييع بوصلة طرابلس على المستويات كافة.

إلى ذلك، أكد المهندس ناغي لـ “لبنان الكبير” قيامه بتوزيع دليل زيارة للمعرض تمّت طباعته بالتعاون مع جمعية “عمران” ومؤسسة “تراث نيامير” في طرابلس باللغتين العربية والانكليزية، وتسليم كلّ أعضاء الوفد والمرافقين نسخة مع جولة تعريفية على المكان.

وإلى الميناء، زار السفراء كاتدرائية القدّيس جاورجيوس الأرثوذكسية الشاهدة على التاريخ الساحلي وتتضمّن أيقونات معروفة ما بين عاميّ 1820 و1860 والتي يُقال انّها بنيت عام 1732 في عهد المطران مكاريوس ووالي طرابلس الوزير سليمان باشا. من هنا، وبعد اطّلاع السفراء على هذا المعلم، أكّدت القائمة بأعمال بلدية الميناء القائمقام إيمان الرافعي أنّ الميناء ستكون لها حصّة إيجابية من هذه الفعالية الطرابلسية.

وبعد التقاط الصور التذكارية في كلّ معلم، توجّه الوفد في محطّته الأخيرة إلى دارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الميناء، والذي استضافه إلى مأدبة غداء ضمت النواب: إيهاب مطر، أشرف ريفي، إيلي خوري، جميل عبود، كريم كبارة، طه ناجي وحيدر ناصر، كما شارك مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمّد إمام، رئيس المجلس الاسلامي العلوي الشيخ علي قدّور، راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف، مطران أبرشية جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس مار كريسو ستوموس ميخائيل شمعون، وغيرهم من الشخصيات الطرابلسية.

ووفق ناغي الذي رافق الوفد في كلّ محطّة، فإنّ السفراء انبهروا بجمال المدينة وإمكاناتها الكبيرة، قائلاً: “كانوا يتحدّثون بإيجابية لا يغفل عنها أحد، ولم يذكر أحدهم أيّ تعليق سلبي أو نقد محبط بعد معاينتهم واقع المدينة التي يعرفونها جيّداً، وعرفوها أكثر حينما زاروها في وقت الذروة بسهولة وبهجة، كما أكّدوا أنّ المدينة تستحقّ فعلياً هذا اللقب عن جدارة وأنّهم سيسعون قريباً الى حثّ الدول العربية على المشاركة في الافتتاح”.

وبعد مغادرة الوفد، لفت ناغي إلى أن وزيريّ الثقافة والاقتصاد استدعياه إلى فندق “الكواليتي إنْ” التابع للمعرض الذي يقع تحت وصاية وزارة الاقتصاد، وذلك “بغية التخطيط لكيفية تفعيله بجدّية بعد معاينته بالكامل، بحيث تمّ تكليفنا بإعداد لجنة مصغّرة بغية التحضير لدفتر شروط يُطلق فيما بعد مناقصة تستهدف ترميم الفندق الذي يُعاني من الاهمال، لكن نظراً الى اهتمام سلام والمرتضى بفعاليات المدينة ورغبتهما وسعيهما المشترك الى تحريك المياه الراكدة، فإنّهما يدفعان إلى تشغيله وترميمه بأسرع وقتٍ ممكن بإصرار رسميّ يُعطي فرصة مهمّة للمدينة، لكن بالتأكيد هذا الأمر يحتاج إلى مناقصات وتجهيزات أيّ الى وقت، لكنّ الفكرة تكمن في لمسنا جدّية طرحهما وتعاونهما الوثيق برغبة تشكيل لجنة وإعداد دفتر شروط عصريّ وسريع يُراعي كلّ التفاصيل، ويفتح الباب أمام المستثمرين لجذبهم فعلياً الى الفندق الذي يحتوي على 130 غرفة ويتمتّع بخدمات كاملة لا منافس لها”.

شارك المقال