أمر عمليات ايراني لـ”الحزب”… والجنوب نار تحت الرماد!

جورج حايك
جورج حايك

منذ فتح “حزب الله” جبهة الجنوب اللبناني في 8 تشرين الأول 2023 دعماً لحركة “حماس” في غزة، وبدء المواجهات العسكرية الحدودية، أراد أن تكون مضبوطة في إطار قواعد الاشتباك، مراعاة لمصالح إيران العليا وحرصاً على حجز مكان لها في أي تسوية مقبلة في المنطقة وخصوصاً على صعيد القضية الفلسطينية، فاعتمدت حرب “المشاغلة”، كما سمّاها “الحزب” وراحت تتصاعد يوماً بعد يوم.

أما قواعد الاشتباك التي وضعها “الحزب”، فلم تكن منذ البداية منسجمة مع خيارات اسرائيل بحكومتها المتطرفة، فسارت الرياح عكس ما تشتهيه السفن “الايرانية” التي تجد مصلحتها في تجنّب الحرب الواسعة، حرصاً على “الحزب” وهو أثمن أذرعها العسكرية والأكثر التزاماً بمشروعها، وقد أنفقت على تجهيزه الملايين من الدولارات تدريباً وتسليحاً. وربما التقت الارادة الايرانية مع رغبات الادارة الأميركية التي حاولت أيضاً تجنّب الحرب الواسعة لحسابات تتعلّق بالانتخابات الأميركية المقبلة، فمارست الضغط على اسرائيل قدر المستطاع، إلا أن أهداف رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لا تتطابق مع تطلعات الرئيس الأميركي جو بايدن، وما يحصل من تصعيد متدحرج في الجنوب اللبناني، يؤكّد أن بايدن فقد تأثيره على نتنياهو، وأكثر من مسؤول أميركي صرّح في اليومين الفائتين بأن اسرائيل تنوي أن تتوسّع في الحرب ضد “الحزب” في مطلع شهر رمضان أي في 10 آذار الجاري.

من جهتها، تؤكّد مصادر ديبلوماسية أميركية أن “هذا الكلام صحيح، ويبدو أن احتمال توسّع الحرب على الجبهة اللبنانية لم يغب عن فكر إيران والحزب، فهما دخلا في وكر الدبابير بقدميهما، وبالتالي عليهما أن يتحمّلا النتائج”.

واللافت أن ردود “الحزب” العسكرية على الهجمات الاسرائيلية أخذت بُعداً دراماتيكياً في الأيام الأخيرة، بدءاً من إسقاط المسيّرة الاسرائيلية الكبيرة، واستهداف “قصد”، ما استتبع قصفاً اسرائيلياً للبقاع وبعلبك، وتشير المصادر الديبلوماسية إلى أن “اسرائيل لن تسمح للحزب بتهديد تفوّقها الجوي التكنولوجي، من خلال صواريخ مضادة حديثة التصنيع سواء كانت أنظمة مستوردة من إيران أو روسيا”.

من الواضح أن ثمة تغيير في منحى الردود والمواجهات التي يقودها “الحزب” ضد اسرائيل منذ أيام، وفق المصادر الديبلوماسية الأميركية، وكما يبدو هناك أمر عمليات إيراني له بالتصعيد مقابل التصعيد الاسرائيلي للمحافظة على المستوى نفسه من هيبة الردع، بل أكثر من ذلك، تأخذ إيران و”الحزب” تصريحات المسؤولين الاسرائيليين على محمل الجد بشأن القيام بعملية برية لإبعاد “الحزب” عن الحدود باتجاه نهر الليطاني تطبيقاً للقرار 1701.

وقد سبق أمر العمليات الايراني، إبلاغ “الحزب” القيادات الايرانية أن هناك مؤشّرات جديّة على نية إسرائيل القيام بهجوم كبير على لبنان، وذلك بعد الانتهاء من عمليتها في رفح. أعقب ذلك لقاء بين الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله وقائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الايراني إسماعيل قاآني حصل في 26 شباط الفائت في بيروت، أعطى فيه الأخير الضوء الأخضر لـ”الحزب” بالرد على إسرائيل، متخطياً قواعد الاشتباك مع توجيه ضربات نوعية الى العدوّ.

وتعتبر المصادر الديبلوماسية أن “ايران أدركت مؤخراً أن اسرائيل لا تربط بين جبهتي غزة والجنوب اللبناني، ولا علاقة للهدنة في غزة أو معركة رفح بجبهتها الشمالية، لذلك تغيّرت قواعد اللعبة بالنسبة الى ايران، وهي تعرف أن أي هجوم اسرائيلي بريّ لن يكون نزهة لها، وخصوصاً أن المعلومات تشير إلى عملية برية محدودة لن تتجاوز بضعة كيلومترات، وبالتالي تثق إيران بقدرات الحزب القتالية وإحتمال تكبيد اسرائيل خسائر بشرية كبيرة إذا توغل جيشها برياً، فتفرض شروطها في نهاية المعركة بتسوية قد تكون لمصلحتها”.

إذاً أصبحت الحرب حتميّة، وسط مراوغة “الحزب” في تنفيذ القرار 1701، ولا يمكن لنصر الله أن يقول هذه المرة “لو كنت أعلم”، فهو يعلم جيداً أن سياسة “حافة الهاوية” قد تنزلق بلبنان الى الهاوية الفعلية، وكل النصائح والضغوط المحلية والدولية لم تنفع، فالقرار ليس أصلاً عند “الحزب”، إذ يكتفي بتنفيذ التوجيهات الايرانية بعيداً عن مصالح لبنان العليا.

أما وقد وصلنا إلى مرحلة المواجهة الكبيرة، ومشاهد الحشود العسكرية الاسرائيلية المتجهة إلى الحدود اللبنانية، فيحاول “الحزب” تجهيز نفسه على نحو يمكّنه من الصمود، لذلك تؤكّد المصادر الديبلوماسية الأميركية أن “استخباراتنا علمت أن الحزب طلب من إيران إرسال المزيد من الأسلحة الحديثة، لرفع كفاءته في مواجهة الهجوم الاسرائيلي المحتمل”، موضحة أن “الأسلحة المطلوبة قد تكون صواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى، بالاضافة إلى طائرات من دون طيار وأنظمة مراقبة واتصال”.

بناء عليه، أمرت إيران قادة الحرس الثوري الايراني بفتح مخازن الأسلحة الايرانية في سوريا أمام “الحزب” من دون حساب أو تعليمات مسبقة. وربما تقوم روسيا بتزويده أيضاً سفن مراقبة، وصواريخ مضادة للسفن. وترى المصادر الديبلوماسية أن “حركة إيران بإتجاه تزويد الحزب الأسلحة الحديثة، تبدو مكشوفة أمام الاسرائيليين، وهذا ما يبرر استهداف اسرائيل في الأيام الماضية مخازن أسلحة ايرانية في سوريا أدت إلى مقتل مسؤولين في الحرس الثوري الايراني وعناصر من الحزب”.

في المقابل، يحاول “الحزب” أن يصوّر الحرب الآتية وكأنها فُرِضَت عليه، فيما هو دخل إليها بقدميه، بعدما استفز اسرائيل منذ 8 تشرين الأول الفائت، ويعرف أنه كان يلعب بالنار ويُجازف بلبنان المنُهك اقتصادياً، والفاقد لكل مقوّمات الصمود، وربما يُراهن على دخول كل الأذرع العسكرية الايرانية في العراق وسوريا واليمن، إلى جانبه في المعركة إذا حصلت، ما سيوسّع الحريق الاقليمي. لكن المعادلة الأساسية في أي حرب بين “الحزب” واسرائيل ستكون استخدام الأخيرة لكل قدراتها العسكرية لتسوية المدن اللبنانية بالأرض، مقابل أن يضرب “الحزب” العاصمة الاسرائيلية تل أبيب، وغيرها من المواقع الحيوية مثل مدينة حيفا الساحلية.

لا شك في أن اللبنانيين يعيشون حالة من القلق الكبير، لشعورهم أن النار تحت الرماد في الجنوب، بل ان الحرب الكبيرة قد تندلع بين يوم وآخر.

شارك المقال