سوريا مشرّعة أمام إسرائيل لاغتيال القادة الايرانيين

زياد سامي عيتاني

هزت مدينة بانياس السورية صباح أمس ثلاثة إنفجارات عنيفة، مستهدفة منزلاً في منطقة بطرايا في أطراف بانياس الجنوبية على الساحل السوري، ليتبين لاحقاً أنها ناتجة عن ضربة إسرائيلية، أودت بحياة رضا زارعي أحد مستشاري الحرس الثوري وإثنين آخرين. إستهداف الحرس الثوري الايراني في أطراف مدينة بانياس على الساحل السوري له دلالاتٌ عدة، إذ ان المنطقة المستهدفة هي بيئة رافضة للوجود الايراني في الأساس، وبالتالي فإن العدو الاسرائيلي قادر على تتبع القيادات الإيرانية وعناصر الحرس الثوري واستهدافهم أينما كانوا في سوريا، خصوصاً وأن الضربة جاءت على “منزل معزول” في المدينة، لم تتوقع الحكومة الايرانية أن يكون مستهدفاً ومراقباً بهذه الدقة.

وذكر المراسل العسكري لاذاعة الجيش السرائيلي، دورون كادوش، أن الهجوم المنسوب الى اسرائيل في بانياس الساحلية، “نُفِّذ على بعد نحو 240 كيلومتراً من الأراضي الاسرائيلية”، مشيراً إلى أن هذه الضربة هي “واحدة من أكثر الهجمات البعيدة المنسوبة إلى سلاح الجو الاسرائيلي في السنوات الأخيرة”. وتأتي هذه الضربة بعد يومين فقط من قصف نسب الى اسرائيل واستهداف مواقع في محيط العاصمة دمشق. ففي الأسابيع القليلة الماضية، تواتر الاستهداف الاسرائيلي لضباط إيرانيين وعناصر من “حزب الله” في سوريا، اذ اغتيل في مطلع شباط، المستشار في الحرس الثوري سعيد علي دادي في غارة إسرائيلية جنوبي دمشق، وقبل ذلك بأيام تم إغتيال 5 مستشارين إيرانيين آخرين في ضربة مماثلة استهدفت حي المزة في العاصمة السورية، كما إغتيل المستشار العسكري البارز في “فيلق القدس” بالحرس الثوري رضي موسوي في غارة جوية أواخر كانون الأول الماضي.

يذكر أنه منذ العام 2015، اغتيل عدد من قادة الحرس الثوري وأفراده في سوريا جراء هجمات إسرائيلية، إذ نفذ العدو مئات الضربات الجوية على سوريا في إطار إستراتيجية عسكرية لتقويض الوجود العسكري الايراني هناك. وشنت إسرائيل خلال الأعوام الماضية ضربات جوية في سوريا، طالت بصورة رئيسية أهدافاً إيرانية وأخرى لـ “حزب الله”، بينها مستودعات وشحنات أسلحة وذخائر، وأيضاً مواقع للجيش السوري. إلا أن اسرائيل، وعلى وقع الحرب في قطاع غزة، كثّفت وتيرة الغارات التي تشنها في سوريا، حيث تستهدف خصوصاً مجموعات موالية لطهران، إذ شنت أكثر من 15 غارة خلال العام الجاري، تركزت غالبيتها في العاصمة دمشق ومحيطها.

وأحصى المرصد السوري لحقوق الانسان أن “اسرائيل قامت 20 مرة منذ مطلع العام 2024، باستهداف الأراضي السورية، 14 منها جوية و6 برية”، مشيراً إلى أن تلك الضربات “أسفرت عن إصابة وتدمير نحو 39 هدفاً، ما بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات”. وأوضح أن “تلك الضربات تسببت في مقتل 41 من العسكريين، وإصابة 19 آخرين منهم بجروح متفاوتة، والقتلى هم: 7 من الجنسية الايرانية من الحرس الثوري، 9 من حزب الله اللبناني، 3 من الجنسية العراقية، 10 من الميليشيات التابعة لايران من الجنسية السورية، 7 من الميليشيات التابعة لايران من جنسية غير سورية، و5 مجهولي الهوية؛ بالاضافة الى استشهاد 9 مدنيين بينهم سيدة بالاستهدافات الاسرائيلية”. ولفت إلى أن “الاستهدافات توزعت على الشكل التالي: 10 لدمشق وريفها، 5 لدرعا، 3 على حمص، 1 على القنيطرة و1 طرطوس”.

كثافة الهجمات التي تشنها إسرائيل على أهداف إيرانية على الأراضي السورية منذ سنوات، دفعت إيران منذ حوالي السنتين إلى تقليص نشر ضباط الحرس الثوري الكبار في سوريا، على أن تدير عملياتها في سوريا عن بُعد بمساعدة “حزب الله”، إلا أن الحرس الثوري، ومع شن العدو الاسرائيلي حربه الاجرامية المفتوحة على غزة، ودخول “حزب الله” على خط المواجهة تحت مسمى “جبهة المشاغلة”، إضطر إلى إعادة تكثيف وجود قادته في سوريا ليكون على تنسيق كامل مع حلفائه وعلى بينة من التطورات الميدانية، لإدارتها وفقاً لمصالح إيران السياسية.

وإعادة تموضع قادة الحرس الثوري الايراني في سوريا، وعلى الرغم من كل التكتم والاحتياطات الإحترازية، وتمكن إسرائيل من إغتيال العديد منهم في فترة وجيزة، تطرح تساؤلات بالغة الخطورة، حول إنكشاف الأراضي السورية في غالبية المحافظات أمام العدو الاسرائيلي، الذي برهن من خلال إستهداف القادة والمراكز الايرانية عن إمتلاكه قدرات إستخباراتية على درجة عالية من الدقة، تمكنه من الترقب وتحديد الأهداف، ثم توجيه ضرباته إليها. الاجابات عن تلك التساؤلات، تبقى في عهدة الأجهزة الاستخباراتية للدول الموجودة في سوريا، والمتحكمة بخريطة نفوذ دولها فيها.

شارك المقال