جنبلاط وآذار!

صلاح تقي الدين

لم تمر تغريدة الرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط عبر منصة “أكس” والتي تضمنت تحذيراً من منتصف آذار مرور الكرام، فسرعان ما انتشرت موجة من التشاؤم بين اللبنانيين حيال ما قد ينتظرهم في منتصف الشهر الجاري وزاد من قلقهم أن جنبلاط لم يخرج إلى الاعلام لكي يوضح مغزى ما حذّر منه.

لكن بين جنبلاط وشهر آذار تاريخ حافل يكاد لا يطوي يوم منه من دون أن تعود إلى ذاكرة “البيك” محطة أو موقف شهده عبر تاريخه السياسي الطويل.

ففي 16 آذآر من العام 1977، وجد وليد جنبلاط نفسه أمام هول الفاجعة التي ضربت لبنان باغتيال والده الزعيم الوطني الكبير المعلم كمال جنبلاط، وزاد من حجم المأساة أن الغضب الدرزي العام في منطقة الشوف دفع الموتورين من أبنائها إلى “الانتقام” لاستشهاد زعيمهم بأن أمعنوا في التعرّض للمسيحيين في المنطقة، ما دفعه إلى التجوال برفقة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الراحل الشيخ محمد أبو شقرا لتهدئة نفوس الغاضبين ومحاولة وقف حمام الدم الذي سال في ذلك اليوم المشؤوم.

لم يوفر وليد جنبلاط مناسبة إلا واستعاد ذكريات ذلك اليوم من آذار والذي شكّل بداية انخراطه في عالم السياسة، لكنه قرر في الثامن عشر من آذار في العام 2017 وفي الذكرى 40 لاغتيال المعلم أن يتخلّى عن رئاسة الحزب وزعامة المختارة لنجله رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط وألبسه كوفية فلسطين وخاطبه قائلاً: “يا تيمور سر رافع الرأس، واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط، واشهر عالياً كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية المقاومين لاسرائيل أياً كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة”.

إذاً في الشهر نفسه لتسلمه الزعامة قرر التخلي عنها، لكن آذار بالنسبة الى الزعيم الدرزي لا يقتصر على ذكرى استشهاد المعلم أو تسليمه الزعامة لتيمور، بل هناك يوم الرابع عشر من آذار الذي شكّل يوماً مفصلياً في تاريخ وليد جنبلاط وتاريخ لبنان عموماً.

ففي ذلك اليوم من العام 2005، قاد وليد جنبلاط تظاهرة مليونية احتشدت في ساحة الشهداء لاحياء ذكرى مرور شهر على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأطلق في خطاب ناري قلما سمعه اللبنانيون على لسان جنبلاط، ما اكتنفه في قلبه ضد النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، فكان بحق قائداً وملهماً للفريق السيادي الذي عاد وارتكب أخطاء لم ينكرها قياديو 14 آذار ودعت جنبلاط إلى الخروج من هذا التحالف في العام 2009.

لكن وللمصادفة العجيبة، يقع بين اليومين المفصليين في حياة وليد جنبلاط، يوم الخامس عشر من آذار والذي يصادف يوم الخيانة العالمي كما وصفه الصحافي الكبير الأستاذ سمير عطا الله. ففي مثل هذا اليوم ارتكب بروتوس أكبر خيانة في تاريخ البشرية جسّدها الكاتب الانكليزي الشهير وليام شكسبير عندما نقل على لسان يوليوس قيصر مخاطبته لبروتوس وهو يغرز خنجره في قلبه: “حتى أنت يا بروتوس”.

الخيانة هي ما يخشاه على الأرجح وليد جنبلاط في تغريدته، ولو لم تكن كذلك لما حذّر من منتصف آذار، فكل الخشية أن تكون الخيانة سبباً في ضياع القضية الفلسطينية العزيزة جداً على قلب جنبلاط وقلوب الوطنيين، وتضيع كل فرص استعادة المقدسات بعد تهجير من تبقى في قطاع غزة إلى البلدان المحيطة لتوطينهم.

من المتعارف عليه أن الطبيعة تجدد نفسها في آذار، لكن المحطات التي مرّ بها جنبلاط في آذار، الأليمة منها كما المشرقة، ستبقى عالقة في ذاكرته وتاريخه ولن تتجدد.

شارك المقال