“حماس” خسرت الحرب وميليشيات إيران في مأزق

أحمد عدنان
أحمد عدنان

قال إميل زولا: “حتى لو دفنت الحقيقة تحت الأرض فإنها سوف تنمو وتكبر”. والحقيقة من غير وجه لا تشير سوى إلى هزيمة حركة “حماس” في معركة غزة.

يعيش قطاع غزة وضعاً كارثياً ومأساوياً، وليس قطاع غزة وحده، بل كل الجبهات الملحقة بهذه المعركة.

على صعيد لبنان مثلاً، قال الأمينال عام لميليشيا “حزب الله” بأنه اقتحم المعركة في الثامن من أكتوبر لألف سبب وسبب، الطريف أن كل الأسباب التي ذكرها لم تقدم ولم تؤخر.

لو اقتحم الحزب الإلهي المعركة لتأكيد نظرية الردع أو توازن الرعب، فالأخبار القادمة من لبنان لا تشير سوى إلى العكس. فعلى صعيد الخسائر البشرية والمادية لا يمكن عقد مقارنة بين الخسائر اللبنانية وبين الخسائر الاسرائيلية لمصلحة إسرائيل للأسف، سواء كان ذلك بسبب محدودية قدرات ميليشيا “حزب الله” أو بسبب القيود المفروضة عليها بحكم ظروف إيران أو بحكم الظرف الداخلي اللبناني. والأسوأ مما سبق، أن الخسائر الاسرائيلية قابلة للتعويض بحكم الغطاء الغربي، أما لبنان – فمع ألف أسف – سيواجه صعوبات جدية في تعويض خسائره التي فاقمت الانهيارات المالية والاقتصادية التي سببها الحزب بممارساته هو وحلفاؤه على صعيد الدولة وعزلهم للبنان عن محيطه العربي وتخريب علاقاته بالخليج.

أما على صعيد سورية الأسد، فلأول مرة يبدو النظام السوري مثيراً للشفقة، فالأسد حقيقة لم يفعل شيئاً لدعم غزة، ولم يجرؤ على اتخاذ أي إجراء عدائي ضد إسرائيل، ومع ذلك لم تتوقف الغارات الاسرائيلية على أراضيه، وهذا ما أكد المؤكد، أن قوة الأسد ليست إلا أمام شعبه الأعزل، كما أن قوة “حزب الله” لا تظهر سوى أمام اللبنانيين والعرب الأبرياء.

أما المشهد العراقي فهو الأكثر طرافة، فبيان “كتائب حزب الله” في 30 يناير/ كانون الثاني 2024، بدا وكأنه اعتذار للولايات المتحدة الأميركية عن عملية مخيم الركبان، لم ينقص البيان سوى أن تقول الكتائب بأن الخسائر الأميركية البشرية ليست مقصودة لأن الهدف الأساس من عملية الركبان هو الاستعراض، ووصلت المذلة إلى أن تقول الكتائب أنها لن ترد على أي ضربات أميركية تستهدفها مستقبلاً، طبعاً هذه المذلة تتلاشى في حال المواجهة مع سنة العراق ومع أي سنة.

ولا ينافس المشهد العراقي في الطرافة، سوى بيانات إيران نفسها ومواقفها بعد عملية السابع من أكتوبر، إذ أكدت مرة تلو مرة أن لا صلة لها من قريب أو بعيد بعملية حركة “حماس”، ولا علاقة لها بالحوثيين، ولا بميليشياتها في العراق وفي سورية وفي لبنان وفي كل مكان وفي كل زمان، وأن هذه الميليشيات مسؤولة وحدها عن أفعالها، ويمكن إعادة صياغة البيانات الايرانية بجملة أخرى تشرح غاية إيران من تأسيس الميليشيات ودعمها وإطلاقها: عزيزتي أميركا.. نتوسلك اضربي ميليشياتنا التي تحارب عنا بالوكالة ولا تضربينا.

أما في اليمن، فقد حقق الحوثيون “نجاحاً” سياسياً باهراً، فقد اقتنعت أميركا وأوروبا أخيراً بصوابية الموقف السعودي ضد الحوثيين، بفضل استهداف الحوثي للحركة التجارية والملاحية في البحر الأحمر، لم تجرؤ روسيا والصين على مجاملة إيران ولم تجادلا أميركا في غاراتها ضد الحوثيين، ما فعله الحوثي في البحر الأحمر يشبه لاعب كرة قدم سجل هدفاً مارادونياً.. لكنه سجله في شباك فريقه لا في شباك الخصم.

أما كل هذه الميليشيات، فقد تحدثت قبل معركة غزة ومع مطلعها عن “وحدة الساحات”، ومع حصار الجيش الاسرائيلي لمدينة رفح، ومع الخسائر المهولة على الصعد كافة في قطاع غزة، تبدو نظرية “وحدة الساحات” وهماً سمجاً ليس له هدف أو قيمة سوى استهداف المدنيين الأبرياء من السنة والعرب. ربما تحاول هذه الميليشيات بعد الحرب تعويض خسائرها بمكاسب سياسية في بلدانها لتدمرها أكثر أو بتفريخ المزيد من الارهابيين ضد دول الاعتدال العربي، لكن يغلب الظن أن الميليشيات ستواجه داخلياً تحديات سياسية قاسية ما لم تتنازل لمحور الاعتدال وللقوى الوطنية المعادية لإيران أقله بأخذ مسافة واضحة عن الدولة في لبنان وفي العراق وفي اليمن وإلا فإن الخسائر ستتضاعف والعزلة ستتعاظم.

وبالعودة إلى “حماس” وقطاع غزة، فقد دفع أهل غزة ثمن وهم “وحدة الساحات” وثمن الصراع بين روسيا والغرب في أوكرانيا، وهنا تجدر الإشارة إلى التضليل الفج الذي تمارسه قناة “الجزيرة” ضد مشاهديها وتلويثها لوعي الناس. تشبه تغطية “الجزيرة” لمعركة غزة لاعب القمار الذي يتحدث عن أرباح اللعب، بينما لو تحدث عن خسائره سيتضح أن أرباحه هي الوهم والسراب.

أسباب قاطعة تؤكد هزيمة “حماس” في معركة غزة، منها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. الخسائز البشرية والمادية.
  2. حرص “حماس” على تأمين موقعها في حكم غزة بعد المعركة، وكأنها تقول إن كل هذا الخراب لا يهم، ما يهم هو البقاء في الحكم.
  3. قبول “حماس” بحل الدولتين، سواء كان هذا القبول ادعاء أو حقيقة، فقد حاربت “حماس” هذا الحل وعطلته بكل ما أوتيت من قوة زمن عرفات حين كان ممكناً، وهذا يكفي لمحاكمتها ولفظها سياسياً.
  4. عدم حرص إسرائيل على وقف سريع لإطلاق النار.
  5. التراجع الواضح لقدرات “حماس” الصاروخية والعسكرية.
  6. وصول إسرائيل إلى رفح.

ببساطة، لو كانت إسرائيل هي الخاسرة، لكانت خسائرها المادية والبشرية أعلى ولكانت هي الأحرص على وقف إطلاق النار بعد تراجع قدرات جيشها، ولكان سلطان “حماس” خارج أي نقاش بعد أن حاصرت تل أبيب.

وإذا عقدنا المقاربة على سبيل الهدف السياسي، أعلن نتنياهو أن الهدف من المعركة هو القضاء على “حماس”، وأعلنت “حماس” أن هدفها هو تحرير الأسرى الفلسطينيين كافة، وإلى الآن لم ولن ينجح أي طرف في تحقيق أهدافه المعلنة، لأنه من الأساس، في الحروب والمعارك الحديثة غالباً لا تتحقق الأهداف المعلنة، وحسب مسار المفاوضات من الواضح أن نتنياهو لن يتمكن من القضاء على “حماس” تماماً مكتفياً بإضعافها، ولن تتمكن “حماس” على الأرجح من تحرير كل الأسرى الفلسطينيين (الذين تضاعف عددهم بعد بدء الحرب) مكتفية ببعضهم، وهم كلهم بلا استثناء – أي الأسرى – يستحقون الحرية بلا منة من أحد.

يتصور البعض أن الجرائم البشعة التي ارتكبتها إسرائيل تعني خسارتها، والحقيقة أن هذا غير دقيق، فكل حرب أو معركة وإن كانت أخلاقية في أهدافها، فهي مدانة أخلاقيا في يومياتها ووسائلها، لأنه يستحيل وضع ضوابط وقواعد للحروب والمعارك إلا على صعيد النظرية، مع التأكيد على أن كل حروب دولة إسرائيل ومعاركها ليست أخلاقية لا على صعيد الأهداف ولا على صعيد الوسائل واليوميات خصوصا مع تعمد إسرائيل بذلك وتقتدي بها الميليشيات الإيرانية ضد العرب والسنة.

خسارة “حماس” يجب أن لا تعني أحداً، المؤسف والمأساوي والمريع والكارثي هو خسارة أهل غزة، ولا يجادل في ذلك سوى الحمقى، وسبب هذه الخسارة بشاعة إسرائيل في جرمها وبشاعة “حماس” في جبنها، فلا معنى لأن تشن حرباً من تحت الأرض من دون أي تأمين أو حماية للمدنيين فوق الأرض سوى الحقارة، وهي الحقارة نفسها التي تمارسها إسرائيل باستسهال وتشريع قتل المدنيين والأبرياء وتجويعهم وتشريدهم. يجب أن يقدم العقل العربي الانسان قبل السلطة ومن هذا المنظار يقيس الخسائر والأرباح.

ما يجري في غزة معركة لا حرباً، والقصاص الحقيقي لكل شهيد وأسير فلسطيني يتحقق بأمرين، الأول هو زوال حكم المتطرفين إسرائيليين كانوا أو فلسطينيين، “حماس” يجب أن تختفي من الوجود مثلما أن نتنياهو وحلفه اليميني الصهيوني المتطرف يجب أن يزولا أيضاً، أما الثاني فهو انطلاق مسار جدي للسلام يتوج بتحرير الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي نهائياً، هذا هو النصر الصادق الذي لن يكون لـ “حماس” ولا لنتنياهو، هذه هي الحرب الحقيقية التي يخوضها الاعتدال العربي وشرفاء العالم لا عملاء إيران، وبهذا المنظور يمكن القول بأن نتياهو ربح معركة وخسر حرباً، بينما “حماس” خسرت المعركة والحرب.

كثر لا يحبون ولا يريدون سماع الحقيقة، لكنها في النهاية يجب أن تقال.

شارك المقال