رفح: أخطر وأضيق رقعة في العالم

حسناء بو حرفوش

ظروف مزرية ثتقل كاهل ثلثي سكان غزة الذين يعيشون في مدينة رفح الجنوبية، في ظل المخاوف من توسيع الجيش الاسرائيلي غزوه البري. منظمات الاغاثة حذرت من العواقب الكارثية لمثل هذه الخطة حيث يكافح زهاء 1.5 مليون فلسطيني من أجل البقاء في ظل محدودية فرص الحصول على المأوى والغذاء والدواء.

وفي هذا السياق، سلط تقرير في موقع “تي أر تي” الضوء على المعاناة إنطلاقاً من شهادات سكان رفح. يقول ياسر صالح: “القنابل الاسرائيلية تنهال علينا في كل لحظة ولا توجد مياه صحية أو دقيق لصنع الطعام للأطفال. ابني محمد، 9 سنوات، يتألم ويعاني من ارتفاع في درجة الحرارة وقيء بسبب تلوث المياه ونقص الغذاء. وقبل ذلك أصيب أبنائي إبراهيم 13 عاماً، وميار 7 أعوام، ويارا 11 عاماً بالعوارض نفسها”. هذه الظروف هي الواقع الحياتي المؤلم للسكان الذين تجمعوا في ملاجئ مكتظة من دون ما يكفي من الغذاء أو الماء، مع انتشار الأمراض بالفعل.

وأدت الحرب إلى مقتل ما لا يقل عن 29,878 شخصاً وإصابة 70,215 آخرين في أنحاء القطاع. ومع ذلك، تتجه الأنظار حالياً نحو الجنوب حيث أعلن الجيش الاسرائيلي عن توسيع غزوه البري في رفح – وهي خطوة تقول منظمات الاغاثة مثل منظمة الاغاثة الاسلامية العالمية إنها ستكون لها عواقب كارثية على المدنيين وعلى المساعدات الانسانية.

وشدد مايكل غرين، المنسق الاعلامي الدولي للاغاثة الاسلامية على أن معبر رفح هو نقطة دخول رئيسية إلى بقية قطاع غزة، وكان حيوياً لإيصال الكمية الصغيرة من المساعدات التي دخلت القطاع منذ 7 أكتوبر. وأضاف: “لن يؤدي الهجوم على الأرجح إلى خنق شريان الحياة إلى غزة فحسب، بل قد يؤدي أيضاً إلى زيادة تدهور المخزونات والامدادات الغذائية الحيوية المتبقية. ومن شأن أي هجوم جديد أن يجعل هذا الوضع المروع أسوأ”.

ماذا عن الوضع الحالي في رفح؟

تمتد مدينة رفح على مساحة 64 كيلومتراً مربعاً تقريباً. وتبلغ الكثافة السكانية للمدينة حوالي 23,437 نسمة لكل كيلومتر مربع، وهي تفوق كثافة المدن الكبرى مثل مدينة نيويورك ومومباي. وهذا يعني أنه في حال توزيع أراضي رفح بالتساوي، لن يحظى كل شخص بأكثر من متر مربع واحد. وقبل حرب إسرائيل الأخيرة، كان عدد سكان رفح 171,889 نسمة، وفقاً لتقديرات عام 2017. ولكن بعد أن بدأت تل أبيب بحملة القصف في أكتوبر/تشرين الأول، طُلبت من المدنيين في شمال غزة الفرار إلى جنوب غزة، على افتراض أنها “منطقة آمنة”. ومع ذلك، في غضون ثلاثة أشهر تقريباً، أسقطت إسرائيل قنابل تزن 2000 رطل 200 مرة على الأقل في المنطقة، وفقاً لتحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر. وأفاد موظفو منظمة الاغاثة الاسلامية العالمية أن الفلسطينيين يريدون الفرار من المدينة “لكن ليس لديهم مكان آمن يذهبون إليه”.

 نقص الإمدادات

وتضاءل تسليم المساعدات الانسانية التي تقدمها الأمم المتحدة إلى غزة، بسرعة اذ أفادت التقارير بانخفاض بنسبة 50 بالمائة في فبراير/شباط مقارنة بشهر يناير/كانون الثاني، وفقاً لفيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”. وقال لازاريني: “إن المساعدات يفترض أن تزيد وليس أن تنقص لتلبية الاحتياجات الضخمة لمليوني فلسطيني في هذه الظروف القاهرة”.

وتنسق المنظمات الانسانية بصورة وثيقة مع بعضها البعض ومع نظام المجموعات التابع للأمم المتحدة في غزة، وكذلك المنظمات الفلسطينية الشريكة المحلية، بشأن توصيل المساعدات، وفقاً لغرين. ومع ذلك، تبقى غزة المكان الأكثر تحدياً فالاحتياجات هائلة ولا تصل المساعدات الكافية الى الناس. كما أن الهجمات والحصار يدفعان الناس إلى المجاعة”.

ويؤدي الحصار الاسرائيلي المفروض على غزة ورفض دخول قوافل المساعدات إلى تجويع القطاع. وشكلت القيود المفروضة على كمية الامدادات المسموح بدخولها ونوعيتها تحديات كبيرة للجهود الانسانية في المنطقة. وقبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت حوالي 500 شاحنة تدخل غزة يومياً. ولكن لعدة أيام في شهر فبراير/شباط، دخل أقل من 100 شاحنة. ومع تزايد الاحتياجات وتناقص إمكان الوصول، تستمر الفجوة في تلبية الاحتياجات الانسانية الأساسية في الاتساع. ولا يؤدي هذا الحرمان من الوصول إلى إعاقة جهود الاغاثة الفورية فحسب، بل يقوّض الاستدامة طويلة المدى لبرامج المساعدة التي تهدف إلى إعادة بناء البنية التحتية ودعم سبل العيش.

وشدد غرين أيضاً على الخطر الذي يواجهه العاملون في المجال الانساني من القصف الاسرائيلي في غزة، التي وصفها بأنها “أخطر مكان في العالم لتوصيل المساعدات، حيث قُتل بالفعل 340 عاملاً في مجال الصحة و160 من موظفي الأمم المتحدة والعديد من عمال الاغاثة الآخرين”.

 خرق للقانون الدولي

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعلن في بيان الاثنين أن الجيش الاسرائيلي وضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح قبل هجومه البري. لكن وفقاً للبيت الأبيض، لم تبلغ الولايات المتحدة بأي خطة إسرائيلية لتأمين سلامة المدنيين هناك. وفي الوقت نفسه، قالت مسؤولة السياسات في منظمة “أوكسفام”، بشرى الخالدي، لصحيفة “غارديان” إن عمليات الإجلاء هذه قد تشكل انتهاكاً للقانون الدولي. وبالنظر إلى الوضع المروع في رفح وعدم إمكان الوصول إلى استجابة إنسانية ذات معنى، قد تعادل عمليات الاجلاء هذه النقل القسري للمدنيين وتشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الانساني الدولي”.

شارك المقال