ديموقراطية من دون انتخابات؟

صلاح تقي الدين

تنص الفقرة “ج “من مقدمة الدستور على أن لبنان “جمهوریة دیمقراطیة برلمانیة، تقوم على احترام الحریات العامة وفي طلیعتها حریة الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعیة والمساواة في الحقوق والواجبات بین جمیع المواطنین دون تمایز أو تفضیل”، وما يهمنا في هذه الفقرة هي الديموقراطية.

أي ديموقراطية تحدث عنها دستورنا ومن أسس الديموقراطية الانتخابات؟ جمهورية ديموقراطية تتعطل فيها انتخابات رئاسة الجمهورية ثلاث مرات منذ إقرار الطائف وذلك من دون حسيب أو رقيب. ديموقراطية وتتأجل فيها الانتخابات البلدية أو يمدد للمجلس النيابي بحجج واهية وغير منطقية.

من الأفضل أن لا نتحدث عن الديموقراطية في لبنان لأسباب عديدة وليست الانتخابات وعدم إجرائها أو تأجيلها أقلها، ففي الفقرة نفسها من الدستور، إن “حرية الرأي والمعتقد والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات” كلها غير مطبقة أو يتم انتهاكها.

لقد شهدت البلاد خلال الولاية الرئاسية الأخيرة وحين كان العهد يصف نفسه بأنه “العهد القوي”، ممارسات أقل ما فيها انها “غب الطلب” لخدمة ذلك العهد وفريقه، إذ أصبح الدستور وبنوده خلال تلك الفترة “وجهة نظر” وكان “دالوز عصره” المستشار في القصر الجمهوري “يخيط” الدستور بما يتلاءم مع مصالح ذلك العهد.

لسنا في وارد تفصيل الانتهاكات لكن كفى تغنياً بالديموقراطية اللبنانية، ففي جمهوريات الموز يتم اللجوء إلى الانتخابات لتحقيق الديموقراطية، بينما في لبنان “نخيط” قانوناً للانتخابات لضمان فوز محظيي العهد بمقاعد في مجلس النواب، أو لتأجيل انتخابات بلدية لا تكون نتائجها مضمونة لهذا الفريق أو ذاك.

وحين استمر الفراغ في موقع الرئاسة الأولى بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق اميل لحود في 24 تشرين الثاني 2007، لم تجرِ الانتخابات الرئاسية كما ينص عليه الدستور حتى 25 أيار 2008، وبالتالي لم تتحقق الديموقراطية بوجهها الدستوري المطلوب، ذلك أنه بسبب الخلافات السياسية الداخلية وهيمنة فريق واستقوائه بسلاحه الذي وجهه صوب الداخل لينفذ ما سمي بـ “غزوة” بيروت والجبل في 7 أيار 2008، وجد المجتمع الدولي والعربي نفسه أمام معضلة لم يكن هناك سبيل لحلها إلا من خلال دعوة الفرقاء السياسيين إلى العاصمة القطرية لكي يرعى أميرها في حينه تسوية أتت بالرئيس ميشال سليمان رئيساً.

ثم يقولون ان لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية!

والمفارقة أنه بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان في 25 أيار 2014 عاد الفراغ “الديموقراطي” ليحكم البلاد، إذ ان فريق “الغزوة” نفسه تمسّك “ديموقراطياً” بترشيح الرئيس السابق ميشال عون للرئاسة وظل يعطّل على مدى سنتين وخمسة أشهر انعقاد المجلس النيابي حتى “نزل الوحي” على المعنيين فاجتمعوا في 31 تشرين الأول 2016 لينتخبوا عون رئيساً.

ويقولون ان لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية!

وها نحن اليوم وبعد زهاء سنة وخمسة أشهر على انتهاء ولاية الرئيس عون الرئاسية في 31 تشرين الأول 2022 نعيش الفراغ نفسه وبالحجج نفسها، ذلك أن “الثنائي الشيعي” متمسك بترشيح رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية للرئاسة ولا يرضى سواه بديلاً، فتتعطل مجدداً الديموقراطية شكلاً وممارسة من خلال تعطيل نصاب الجلسة النيابية دستورياً بالانسحاب.

ويتذرعون بأن تلك هي اللعبة الديموقراطية!

وقبل نهاية الولاية الرئاسية “القوية” صدر قانون نص على تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية لمدة سنة وتحديد شهر أيار من العام الجاري موعداً لإجرائها، لكن وكما كانت الأسباب قد حالت دون إجرائها في العام الماضي، فمن المرجح، لأن الأسباب نفسها لا زالت قائمة، تأجيلها مرة ثانية لأن بذلك “تستقيم” الديموقراطية.

أما الحديث عن احترام حرية الرأي والمعتقد والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات، فحدّث ولا حرج، جميعها مصانة في البلد الذي يمارس الديموقراطية الاستثنائية بين دول العالم أجمع، فهل هناك بلد آخر يمارس “الديموقراطية التوافقية” إلا لبنان؟

الديموقراطية فيها خاسر ورابح، الرابح يحكم والخاسر يعارض إلا في لبنان، فالخاسر عندنا يجب أن يشارك الرابح في أرباحه، وذلك بموجب تسويات لا تركب على قوس قزح ولا يمكن تفسيرها.

مقولة ان لبنان لا يحكم من فريق واحد قد أثبتت على مدى سنوات الاستقلال عدم جدواها، فالتسويات كانت غالباً تقوم على مبدأ “المحاصصة” التي هي من أسوا الممارسات السياسية، والمطلوب اليوم حقيقة هو أن تقوم معارضة سياسية حقيقية في وجه سلطة تمارس ديموقراطياً حقها الذي “كرّسته” الانتخابات، وأن يتخلى السياسيون عن مبدأ المحاصصة وتقاسم مغانم السلطة، ولذلك طريق واحد لا غير: الانتخابات.

الانتخابات المطلوبة تبدأ بتغيير قانون “إغدر بأخيك” الذي صيغ على قياسات “ولادية” واعتماد قانون نسبي غير طائفي وعلى قاعدة لبنان دائرة انتخابية واحدة، كما نص الدستور أصلاً، وإلا فمن الأفضل عدم التغني بعد اليوم بـ”ديموقراطية” لبنان الفريدة من نوعها في هذا العالم.

شارك المقال