المجاعة تلوح في أفق غزة ومفاوضات الهدنة تتواصل وسط ضغوط أميركية 

لبنان الكبير

تدخل المفاوضات من أجل التوصل إلى هدنة في الحرب بين اسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزة يومها الرابع في القاهرة وسط ضغوط لا سيما أميركية، للتوصل إلى وقف لاطلاق النار بحلول شهر رمضان. في وقت تتواصل الضربات والقصف على الأرض حيث الوضع الانساني يتفاقم يوماً بعد يوم والمجاعة “وشيكة” بحسب الأمم المتحدة.

وأغرقت الحرب المستمرة منذ خمسة أشهر بين الجيش الاسرائيلي وحركة “حماس”، قطاع غزة في أزمة إنسانية حادة ولا سيما شماله الذي يصعب الوصول إليه وحيث بلغ الجوع “مستويات كارثية “بحسب برنامج الأغذية العالمي.

وأفادت وزارة الصحة التابعة لحركة “حماس” اليوم الأربعاء بسقوط “83 شهيداً، غالبيتهم من الأطفال وبينهم رضع ونساء وكبار السن، جراء ارتكاب الاحتلال لمجازر الابادة الجماعية بحق المدنيين، ولا يزال عشرات المفقودين تحت الأنقاض”.

وقال برنامج الأغذية العالمي الثلاثاء إن احدى قوافله للمساعدات الانسانية تعرضت للنهب من قبل “حشود يائسة” بعدما منع حاجز الجيش الإسرائيلي مرورها إلى شمال القطاع.

وأمام الكارثة الانسانية المتفاقمة، تمارس الولايات المتحدة الداعم الرئيسي لاسرائيل، ضغوطاً للتوصل إلى وقف لاطلاق النار بحلول شهر رمضان في العاشر من آذار أو الحادي عشر منه.

وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن الثلاثاء أن “الأمر بيد حماس حالياً”، معرباً عن خشيته من وضع “خطير للغاية” في إسرائيل والقدس إذا لم تتوصل إسرائيل و”حماس” لوقف إطلاق نار في غزة قبل حلول رمضان.

في المقابل، قال القيادي في حركة “حماس” أسامة حمدان من بيروت الثلاثاء: “لن نسمح بأن يكون مسار المفاوضات مفتوحاً بلا أفق مع استمرار العدوان وحرب التجويع ضد شعبنا”.

ويسعى الوسطاء من مصر وقطر والولايات المتحدة منذ أسابيع إلى التوصل لهدنة لمدة ستة أسابيع في غزة قبل رمضان، بما يتيح الافراج عن رهائن محتجزين في غزة مقابل إطلاق سراح فلسطينيين تعتقلهم إسرائيل وإدخال مزيد من المساعدات الانسانية إلى القطاع الفلسطيني المحاصر.

وتشترط “حماس” خصوصاً “الوقف الشامل للعدوان والحرب وللاحتلال من قطاع غزة” و”البدء بعمليات الاغاثة والايواء واعادة الاعمار”، وفق ما أفاد عضو القيادة السياسية للحركة باسم نعيم وكالة “فرانس برس”.

إلا أن إسرائيل ترفض هذه الشروط، مؤكدة نيتها مواصلة هجومها حتى القضاء على “حماس” وتشترط أن تقدم لها الحركة قائمة محددة بأسماء الرهائن الذين لا يزالون محتجزين في قطاع غزة.

تواصل القصف والضربات

وعلى الأرض، أعلن الاعلام الحكومي التابع لـ “حماس” أن الجيش السرائيلي شن “أكثر من 40 غارة جوية، مع استهداف منازل على ساكنيها في مدينة حمد، وبلدة بني سهيلة بخان يونس، ودير البلح والبريج وبلدة بيت لاهيا، وحي تل الهوى بمدينة غزة”، مشيراً إلى “قصف مدفعي على المغراقة وجحر الديك (قرية وادي غزة)، ما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء، وتدمير أكثر من 38 منزلاً ومبنى بقطاع غزة”. وتسبب القصف المدمر على القطاع والعمليات البرية بمقتل 30631 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لـ “حماس”.

“مزيد من المساعدات”

وأمام تدهور الوضع الانساني الكارثي في قطاع غزة شدد الأميركيون لهجتهم في الأيام الأخيرة. وطالب بايدن إسرائيل بالسماح بدخول المزيد من المساعدات، معتبراً أن “لا أعذار” لدى إسرائيل في مواصلتها منع دخول شاحنات المساعدات المتوقفة عند الحدود مع مصر.

وحذّرت الأمم المتحدة من مجاعة “شبه حتمية” تهدّد 2,2 مليون شخص من أصل 2,4 مليون هو عدد سكان القطاع، بينما المساعدات التي تدخل شحيحة جداً مقارنة بالاحتياجات الهائلة. والوضع حرج خصوصاً في شمال غزة حيث يعوق الدمار الواسع اللاحق به والقتال المستمر، وصول المساعدات.

وأعلن برنامج الأغذية العالمي الثلاثاء أن قافلة له تضم 14 شاحنة كانت تنتظر عند حاجز وادي غزة في جنوب شرق القطاع لمدة ثلاث ساعات قبل أن يمنعها الجيش الاسرائيلي من مواصلة طريقها.

وأوضح أنه بعد قرار الجيش الاسرائيلي منع مرور المساعدات، أوقفت القافلة “من جانب حشود كبيرة من الأشخاص اليائسين الذين نهبوا المواد الغذائية” وقد استحوذوا على حوالى 200 طن من المواد الغذائية.

وكانت هذه أول محاولة للبرنامج لإدخال قافلة مساعدات إلى شمال قطاع غزة بعدما علق توزيع المساعدات في 20 شباط إثر تعرض قافلة تابعة له للنهب وإطلاق نار.

وأعلن الجيش الأردني الثلاثاء أن ثماني طائرات عسكرية هي ثلاث أردنية وثلاث أميركية وواحدة فرنسية وأخرى مصرية ألقت مساعدات في قطاع غزة في أكبر عملية من هذا النوع منذ بدء الحرب.

وحضّت الأمم المتحدة العالم على “إغراق” غزة بالمساعدات لإنقاذ الأطفال “الذين بدأوا يتضورون جوعاً” في منطقة انهار فيها النظام الصحي.

“أطفال يموتون جوعاً”

وتوفي ما لا يقل عن 15 طفلاً بسبب الجوع والجفاف في مستشفى واحد، وفقاً لوزارة الصحة.

وتمكن عاملون في منظمة الصحة العالمية في نهاية الأسبوع الماضي، من زيارة مستشفيات في شمال غزة للمرة الأولى منذ تشرين الأول، حسبما قال رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس الاثنين. وأشار الى أنهم أبلغوا عن “مستويات حادة من سوء التغذية، وأطفال يموتون جوعاً، ونقص خطر في الوقود والغذاء والإمدادات الطبية، ومباني المستشفيات المدمرة”.

وفي جميع أنحاء غزة، يواجه 90 بالمئة من الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 6 و23 شهراً والنساء الحوامل والمرضعات فقراً غذائياً حاداً، وفقاً لتقرير صدر قبل أسبوعين عن مجموعة التغذية العالمية، وهي شبكة من المنظمات غير الحكومية المعنية بالتغذية وتقودها “اليونيسف”.

وأضافت المجموعة: “ان ما لا يقل عن 90 بالمئة من الأطفال دون سن الخامسة مصابون بواحد أو أكثر من الأمراض المعدية”.

وأكدت لجنة الاغاثة الدولية في بيان، أن اسرائيل “بصفتها القوة المحتلة في غزة، تقع على عاتقها مسؤولية ضمان حصول السكان الخاضعين للاحتلال على الامدادات الغذائية والطبية. إن الاستخدام المتعمد لتجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب من خلال حرمانهم من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف، يعد جريمة حرب”.

وأشارت دابني إيفانز، مديرة مركز الطوارئ الانسانية في جامعة إيموري، لوكالة “فرانس برس” الى أن الصور الواردة من غزة تشير إلى أشد أشكال سوء التغذية، بما في ذلك “الهزال” الذي يشير إلى تدني شديد في الوزن بالنسبة الى طول الجسم، نتيجة الانخفاض الحاد في السعرات الحرارية في فترة قصيرة.

وقالت إيفانز: “بدأت أجسادهم تنهار وهم في حالة صدمة”، موضحةً أن إعادتهم إلى حالة صحية جيدة تتطلب رعاية طبية دقيقة تحت إشراف، وليس مجرد إعطائهم الطعام الذي قد يكون خطراً.

وأعلن عماد دردونة، طبيب الأطفال في مستشفى كمال عدوان وهو مستشفى الأطفال الوحيد في شمال غزة، لوكالة “فرانس برس” أن الطاقم لديه الإمدادات اللازمة لعلاج نحو نصف الحالات فقط بصورة مناسبة. وقال: “ليس لدينا ما نقدمه لهم، أقصى ما يمكننا القيام به من أجلهم هو إما إعطاؤهم محلولاً ملحياً أو محلولاً سكرياً”.

ورجحت آنو نارايان، مستشارة “اليونيسف” لشؤون تغذية الأطفال، أن يكون هناك “تأثير مدى الحياة” على بعض الأفراد على الأقل، قائلة: “نعلم أنه يمكن أن يؤثر على النمو المعرفي للأطفال ويكون له تأثير على المدى الطويل على دخلهم وقدرتهم على العمل بكامل طاقتهم”.

شارك المقال