مأزق الجوع

زاهر أبو حمدة

أكثر من 30 ألف شهيد و70 ألف جريح، وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، لكن الأرقام غير المتكشفة حتى الآن أنها تزيد عن ذلك باعتبار أن هناك ضحايا لم يستطع ذووها الوصول الى المستشفيات أو ما زالوا تحت الركام. أما الكارثة الكبرى فتتعلق بمن بقوا على قيد اللجوء والنزوح في العراء أو الخيام.

هذه الكارثة تحولت الى سلاح التجويع، وهي في الأساس مأزق أخلاقي، قبل أن تكون على طاولة المفاوضات أو في مجلس الأمن أو على ألسن السياسيين والمعلقين والصحافيين ومنظمات حقوق الانسان. وهنا، يتحول المأزق في تجويع 700 ألف فلسطيني في محافظتي غزة وشمالها إلى حجة واضحة وكاشفة لكل من يدعي الانسانية. وتبدو مشاهد استشهاد الفلسطينيين جوعاً هي المطلوبة إسرائيلياً. نذكر أن مع بداية العدوان وبدء الاجتياح البري في 20 تشرين الثاني من العام الماضي، كان الجنرالات في جيش الاحتلال يفكرون في اجتزاء شمال القطاع حتى وادي غزة ليكون منطقة عازلة ويمكن التفاوض على الجغرافيا مقابل الأسرى. لكن بقاء هذا العدد الكبير في الشمال منع تنفيذ ذلك. وعليه يجب الانتقام منهم وسياسة التجويع تهدف إلى ترحيلهم عبر اللعب على غريزة البقاء والتفتيش عن الغذاء والماء. وبالتالي تحولت هذه السياسة الفاشية إلى سردية معاكسة، أثرت على الاحتلال ديبلوماسياً وسياسياً واعلامياً.

أما مأزق الجوع فطال أيضاً دول الجوار والولايات المتحدة وحلفاء الاحتلال، فاستبدلوا الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو لفتح المعابر وتسليم وكالة “الأونروا” المساعدات، بعمليات الانزال الجوي لها. وهذه المسألة رفضها الاحتلال فارتكب المجازر بالفلسطينيين عند تفتيشهم عن المساعدات النازلة من السماء، فكانت المجازر في شارع الرشيد ودوار الكويت وفي أكثر من مكان في الشمال. هكذا تظن إدارة جو بايدن أنها خففت الضغط الشعبي عليها، ويمكنها تسويق مشاهد الطائرات والمساعدات لكن لا يمكنها انكار المساعدات العسكرية المكثفة لجيش الاحتلال بالأسلحة المتطورة والمدمرة. تناقض كبير لا يفعله سوى الأميركيين.

في المقابل، تهدف سياسة التجويع إلى تأليب الناس على المقاومة لتقديم تنازلات في مفاوضات القاهرة والدوحة. لكن بعد الدمار الشامل وأعداد الشهداء والجرحى والنازحين لا يمكن للمفاوض الفلسطيني أن يتنازل عن حقوق أهل غزة في المقام الأول قبل الحديث عن المشروع الفلسطيني والدولة والقدس والأسرى. ولذلك كانت الأولوية في مباحثات القاهرة لتقديم المساعدات وفتح المعابر وايواء النازحين. ولذلك، وجب ضم ملف التجويع الى الدعاوى القانونية ضد الاحتلال، فنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ينص على أن تجويع المدنيين عمداً من خلال “حرمانهم من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة” يعد جريمة حرب. ولعل سياسة التجويع هي أهم أوجه الابادة الجماعية المثبتة في قطاع غزة منذ أكثر من 150 يوماً.

شارك المقال