بعد استقباله وفد “الحزب”… أوساط دينية تنتقد أمين الفتوى في طرابلس!

إسراء ديب
إسراء ديب

يُعرف شيخ قرّاء طرابلس الذي عُيّن أميناً للفتوى منذ فترة بلال بارودي، بمواقفه “اللاذعة” ضدّ النّظام السوريّ و”حزب الله”، ومعارضته تدخل الأخير في الأزمة السورية التي هجّرت الملايين، وذلك من دون تسجيله للحظة خوفاً أو تردّداً من مواقفه التي كانت تُذاع إعلامياً، وعبر منبره في مسجد السلام الذي كان ضحية التفجير الارهابي الذي طاله مع مسجد التقوى عام 2013، مخلّفاً 49 ضحية وإصابة أكثر من 800 في مدينة تُعرف أساساً بمواقفها الصامدة ضدّ النّظام والحزب على حدّ سواء.

وفي وقتٍ كان يرى فيه الشيخ بارودي، أنّ “حزب الله استجلب ظاهرة الانتحاريين إلى البلاد عبر مشاركته في الاجرام الذي ارتُكب في سوريا من خلال قتل الشعب السوري”، يقف اليوم لاستقبال وفد من الحزب ضمّ عضو المجلس السياسي محمّد صالح، مسؤول قطاع الشمال الشيخ رضا أحمد ومسؤول العلاقات العامّة في منطقة جبل لبنان والشمال حسن المقداد، وذلك في دار الفتوى- طرابلس لتهنئته بانتخابه أميناً للفتوى ومباركاً للمسلمين حلول شهر رمضان المبارك.

هذه الزيارة، لم تمرّ مرور الكرام، إذْ أحدثت بلبلة واضحة وتناقضاً كبيراً في المواقف، خصوصاً بعدما اعتاد الطرابلسيون تصريحات من الشيخ تُدين الحزب بصورة مستمرّة، فلا ينسى أحد أنّ بارودي، كان قد طالب في السابق بإنقاذ الطائفة الشيعية من الانتحار، وبتسليم المقاومة سلاحها للدولة لتنخرط في مؤسّساتها الشرعيّة، قائلاً: “فكرة تسليم سلاح الجيش للمقاومة ساقطة بسبب الفشل الذريع للحزب”. واعتبر أنّ “المدن السنّية باتت مستباحة بسبب عدم دفاع الدّولة عنها واعتداء المقاومة على النّاس بسلاحها”، وغيرها من المواقف التي لاقت استحساناً طرابلسياً كبيراً.

لكن هذه البلبلة لم تستمر طويلاً، بحيث انتشر سريعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، منشور “مستغرب” ينقل عن مصدر “مقرّب” من أمين الفتوى بعد الزيارة، تأكيداً أنّها تُعدّ روتينية بحكم توليه المنصب. وفي الوقت عينه، يُؤكّد المصدر أنّ اللقاء، “استغلّه” بارودي واستثمره لإيصال رسائل سياسية مهمّة حول حرب الجنوب، مشدداً على أنّه استهجن أمام الوفد مواقفهم، ومنها موقفهم من الحرب السورية، بحيث قال: “أعداد قتلاكم ربما تحتاج الى مراجعة موقفكم من مشاركتكم في دعم النظام السوري الذي يسفك دماء شعبه المظلوم”.

ولم يكتف المصدر بهذه المواقف فحسب، بل يلفت أيضاً إلى أنّ الشيخ كان قد ندّد بتدخلات الأميركيّ باستخدام المصطلحات التالية: مرشد الجمهورية، استهجان دعم مرشد الثورة بغرس شجرة الزيتون، إضافة إلى مواقف تحثّ إيران على اعتماد اللغة العربية (لغة القرآن) كأولوية، واستخدام الفارسية كلغة ثانية “كما درج في زمن الدّولة الصفوية لرفع شعار الاسلام”.

في الواقع، لم يصدر أيّ موقف رسميّ من الشيخ بارودي يذكر هذه التفاصيل التي رغب “لبنان الكبير” في التأكّد منها. ولهذا السبب، عمد إلى الاتصال به لكنه لم يدل بأيّة معلومات، بل اكتفى بإرسال رسالة صوتية أكّد فيها عدم وجود إنترنت مناسب للردّ على الاتصال، متمنّياً إرسال رسالة صوتية لم يجب عليها فيما بعد.

أمّا “حزب الله”، وعبر موقع “العهد الاخباري” الذي ينشر تصريحات وخطابات مرتبطة بقادة الحزب بالتفاصيل، فأصدر بياناً للإشارة إلى أنّ المجتمعين تباحثوا في “الهموم والضغوط المعيشية التي يرزح تحتها المواطن اللبناني عموماً والطرابلسيون خصوصاً، على أبواب شهر رمضان الكريم، بالاضافة إلى الأزمة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلد”. كما بارك المجتمعون “العمليات البطولية التي يسطّرها المقاومون في قطاع غزة”، واستنكروا “حرب الابادة التي يتعرّض لها أبناء غزة على يد العدو الاسرائيلي، والذي لم يرحم طفلاً أو امرأة أو شيخاً، ضارباً بكلّ المواثيق الدولية عرض الحائط”، مشدّدين على “ضرورة وحدة الأمّة والتصدّي لكلّ محاولات الفتنة التي يسعى اليها أعداؤنا، بعد الصمود الأسطوري الذي سجلته المقاومة على امتداد ساحات المواجهة مع العدو الصهيوني والداعم له”.

إلى ذلك، لا ينفي مصدر ديني طرابلسيّ أنّ اللقاء مع “حزب الله” بقياداته ومسؤوليه يُعدّ أمراً روتينياً بالفعل، وقد يحدث مع أيّة شخصية سياسية أو دينية سنّية، لكن شرط “أنْ يكون اللقاء واضحاً ومعلناً بتفاصيله”، خصوصاً وأنّ “الجميع يُدرك تماماً موقف الطرابلسيين من الحزب، وهو أمر لا يُعدّ حديثاً ولا يحتاج إلى تحليل معمّق”.

ويقول المصدر لـ “لبنان الكبير”: “لا يخفى على أحد أنّ الشيخ بارودي كان دائماً ضدّ الحزب والنّظام السوريّ، لكن منذ تسلمه المنصب تغيّر، حاله كحال أيّ شيخ يتسلم منصباً مهمّاً في مسيرته، أمّا الزيارة الأخيرة، فقد لاقت انتقادات من الأوساط الدينية في طرابلس لأسباب قد تكون معروفة”.

وإذْ يُؤكّد أنّ لقاء بارودي مع الحزب لا يُعدّ الأوّل، يُشير إلى أنّه لا يُعارض وغيره وجود لقاءات تسعى إلى إنعاش البلد وتحسين وضعه، “مع قناعتي التامّة بأنّ الحزب يمتلك عقيدة مختلفة، لذلك على أيّ اجتماع يُعقد أنْ يبتعد كلياً عن التزلّف، المجاملة والتنازل الذي يُؤدّي إلى سيطرة الآخر على شخصيات طرابلسية منها تعمل لديه لقاء بدل ماديّ ونعرفها جيّداً، ومنها من يُجامل كيّ لا يتمّ تسجيل فيتو ضدّه، لكن لا يجب أن يُلام من يُؤكّد أنّ الحزب قد دمّر سوريا بتدخله فيها”.

ويضيف: “لا وجود لبيانات تصدر عن مصدر مقرّب أو بعيد عن الشيخ، إذْ عليه نشر بيان عنه أو بيان مشترك من دون اللجوء إلى مصادر مقرّبة لتوضيح مواقف أمام الطرابلسيين الذين يستهجنون هذا النوع من اللقاءات، وبالتالي إنّ اللجوء إلى الخطابات الشعبوية أو الغرف الضيّقة يبدو واضحاً، وهذا لا يعني أنّنا نحث على التقاتل مع الحزب وغيره”.

يُمكن القول إنّ لقاءات وفود “حزب الله” مع الشخصيات السياسية أو الدينية الطرابلسية لا تُعدّ خافية على أحد لا سيما في الأعوام القليلة الماضية، إذْ تؤكّد معطيات “لبنان الكبير” أنّ “حزب الله كان يجتمع برجال دين طرابلسيين، منهم من كان يُوافق ويُخطّط معهم للقاء، ومنهم ومن يُصدم بدخول الحزب إلى الاجتماع الذي يستمرّ على الرّغم من الاختلافات، إلا أنّ بعضهم لا يُخفي حدوثه أبداً، بل يُعلن هذه الاتصالات أو طرق التواصل لإبعاد الشبهات عنه في حال كشفها إعلامياً أو أمنياً”.

ويأسف مصدر متابع، لمن اعتبر لقاء شخصية بمسؤولية بارودي الدينية مع “حزب الله” جريمة، قائلاً: “إنّ الزيارة روتينية ومعتادة ولا تحتاج إلى تحليل، فبارودي لا يُمكن التشكيك بولائه للقضية السنّية أو السورية، لكنّه قطعاً لن يرفض أحداً انطلاقاً من فكرتيّن، أوّلها توحيد وجهات النظر المفيدة للداخل، وثانيها اكتراثه بالنهضة والانفتاح في دار الفتوى، ما يعني أن لا ضرورة للسماح بمدّ ذبذبات تُسيء الى نيته التي ندرك أنّها سليمة”.

بدوره، يُؤكّد مقرّب من “حزب الله” لـ “لبنان الكبير” أنّ “زيارات الوفود الحزبية تتكرّر في طرابلس وهي غير مرفوضة كما يُروّج البعض، إذْ تدخل الحزب في مساعدات قُدّمت لعكّار، ومساعدات لطرابلسيين خصوصاً بما يخصّ ترميم المباني، وغيرها من التفاصيل التي تُؤكّد أنّ الخلاف السياسيّ غير مطروح بمساعي الحزب حالياً”.

شارك المقال