هوكشتاين لعب أوراقه الأخيرة… لكن المفاوضات بالنار ستتوسّع!

جورج حايك
جورج حايك

يصحّ القول ان الموفد الأميركي آموس هوكشتاين ذهب ولم يعد… ولا تزال الأمور مبهمة وخصوصاً بعد تعثّر التوصّل إلى هدنة في غزة بين اسرائيل وحركة “حماس”، كان يعوّل عليها الأميركيون وهوكشتاين نفسه، ليعمل على تمدّد الهدنة إلى الجنوب اللبناني، لكن عملياً لا شيء تغيّر في الميدان، والاشتباكات بين اسرائيل و”حزب الله” لا تزال تتصاعد، مع إستمرار المواقف المتناقضة والمتوترة بين الطرفين، فيما الحل العسكري يتقدّم، وهناك معطيات استقصيناها من مصادر في الكونغرس الأميركي تؤكّد هذا الأمر، على الرغم من مساعي هوكشتاين والمقترح الذي قدّمه الى المسؤولين الاسرائيليين واللبنانيين.

ثمة أجواء رُوّجت منذ إندلاع الاشتباكات بين اسرائيل و”الحزب” في 8 تشرين الأول الفائت بأنهما لا يريدان الحرب، لكن في الواقع ما يحصل من تصعيد في الميدان لا يوحي بذلك، وتمسّك كل طرف بمواقفه، والتهديدات المتبادلة، وبالتالي من يروّج بأن اسرائيل و”الحزب” لا يريدان توسّع الحرب، يجب أن يبدأ بإعادة النظر في هذه المقاربة.

وتشير معطيات المصادر في الكونغرس الأميركي إلى أن الطرفين بلا أدنى شك أبقيا درجة صراعهما ما دون الحرب الشاملة حتى الآن، إلا أن ضبط النفس هذا أُلزما به، وليس عن إقتناع، لافتة إلى أن الحسابات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية وإيران كبحتا المواجهات قدر الامكان، وخصوصاً إدارة الرئيس جو بايدن الذي كلّما شعر بتفلّـت الوضع في الجنوب، يُرسل موفده الخاص هوكشتاين لتهدئة الأمور لفترة معينة، ثم تعود المواجهات إلى التصعيد مجدداً، لكن هذه الضوابط معرّضة للإنهيار في أي وقت، وعند وقوع أي خطأ، وبالتالي تتّسم بالهشاشة، لأنها غير مبنية على قاعدة صلبة وتفاهم عميق.

وتعتبر المصادر في الكونغرس أن “من جهة الحزب -حسب ما توافر لنا- تلعب إيران دوراً كبيراً في كبح جماحه، فهو يُشكّل قوة تدخّل للحرس الثوري الايراني، وقد لعب أدواراً مهمة في دعم نظام رئيس النظام السوري بشار الأسد ضد شعبه، ويدعم الميليشيات العراقية وقام بتدريب الحوثيين في اليمن، وأصبح عنصراً حاسماً في قوة الردع الايرانية، متسلّحاً بالصواريخ المتطوّرة، لذلك لن تفرّط به إيران، وستستخدمه إذا قامت اسرائيل أو الولايات المتحدة بمهاجمة البرنامج النووي الايراني، إذ بإمكان الحزب توجيه ضربة مدمرة الى المناطق السكنيّة الاسرائيليّة. لذلك لا يريد النظام الايراني خسارة قوة الردع التي استثمرها في الحزب”.

لكن الاستراتيجية الايرانية قد تتغيّر إذا لمست أن اسرائيل إتخذت قرارها بتوسّع الحرب، وفق المصادر في الكونغرس، وعقيدة “الحزب” لا ينقصها شيء من العدائية حيال اسرائيل، لذا يراوغ في مسألة تطبيق القرار 1701، مستمراً في اللعب على حافة الهاوية، ومن شأن ذلك أن يُفلت المكابح الايرانية فتتطوّر الأمور في ساعة إلى حرب أوسع.

في المقابل، ترى المصادر أن “عدائية اسرائيل حيال إيران وإبنها المُدلّل حزب الله لا تقل عن عدائيّة الأخير، وهذا يُنذر بتوسّع الحرب، فحكومة الحرب الاسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو مصمّمة على اعتقال قيادات حماس أو قتلها وتفكيك بنيتها العسكرية بالكامل، وإذا استمرت هذه الرغبة الاسرائيلية بالقضاء على حماس في غزة والحزب في الجنوب، فقد تتغيّر الأولويات الايرانية، ويُصبح الخيار الحرب أولاً، لا ضبط النفس، ويبدو أن ذلك اليوم يقترب”.

لا شك في أن هوكشتاين نجح حتى الآن في لجم التصعيد في الجنوب كي لا يتحوّل حرباً واسعة، إضافة إلى جهود الديبلوماسيين الأوروبيين، وتؤكّد مصادر في الكونغرس أن هذه كانت رغبة إدارة بايدن، وهي متفقة مع اسرائيل على ضرورة إلحاق الهزيمة بـ”حماس”، إلا أنها تتمايز عنها في موضوع تجنب الحرب بين إسرائيل و”الحزب”. وقد نقل وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مخاوف فريق بايدن إلى وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت في تشرين الثاني الفائت. كما طلب الرئيس بايدن من نتنياهو عدم توسيع الحرب لتشمل لبنان. ومن الواضح أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن الحرب على لبنان سوف تتحول بسرعة إلى صراع إقليمي يمكن أن تصبح فيه الولايات المتحدة في مواجهة إيران مباشرة.

أما ما كشفته المصادر فهو خطير جداً، إذ تؤكّد أن قدرة بايدن على التأثير على الاسرائيليين بشأن كيفية تعاملهم مع حدودهم الشمالية تتضاءل، وذلك لأن الحكومة الاسرائيلية تتحمّل ضغطاً اقتصادياً نتيجة تهجير نحو 80 ألف إسرائيلي من بلدات الشمال كإجراء احترازي في حالة حدوث تصعيد كبير. ومن وجهة النظر الاسرائيلية، فإن هذا الجزء من البلاد غير صالح للسكن، وبالتالي يلاقي خيار التوسّع في الحرب تأييداً شعبياً اسرائيلياً لوضع حدّ لخطر “الحزب” من الجنوب اللبناني.

كل الجهود الأميركية والفرنسية لم تقنع “حزب الله” حتى الآن بالتراجع إلى ما وراء نهر الليطاني، ولم ترض المطالب الاسرائيلية في تحقيق هذا التراجع الآن، لأن “الحزب” مصرّ على ربط جبهة الجنوب بحرب غزة، ويُطالب اسرائيل بتنفيذ القرار 1701 والانسحاب من الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وتلفت المصادر الأميركية إلى أن “الحزب” يبدو أنه لا يقدّر خطورة الوضع، على الرغم من مصارحة هوكشتاين للمسؤولين اللبنانيين، بأن المسألة تعتبر قضية وجودية لاسرائيل، وهي جادة في تهديداتها.

وتفيد المعطيات من مصادر موثوقة بأن ما يعوق اسرائيل عن تنفيذ تهديداتها أمران: الأول يتعلق بإنهاء حرب غزة وخوض المعركة الأخيرة في رفح، والثاني هو عدم إكتمال موافقة الكونغرس الأميركي على ما يخص تزويدها بالمزيد من الأسلحة المتطورة لخوض المواجهة مع “الحزب” الذي يُعتبر أقوى بأضعاف من “حماس”.

لا شك في أن إسرائيل تمتلك قاعدة صناعة دفاعية متطورة وبنية عسكرية متقدمة، لكن حربها على “حماس” و”الحزب” تتناقض مع عقيدتها العسكرية التي تقوم على حروب قصيرة ومدمّرة على أراضي العدو، وتتطلب نفساً طويلاً، وهذا ما يحصل اليوم في قطاع غزة.

إذاً تحتاج اسرائيل لبدء حربها على “حزب الله” بمفهوم أوسع إلى أسلحة تصيب أهدافها بدقة لامتناهية، ستكون حاسمة للقضاء على البنية العسكرية لـ”الحزب”. ويبدو أن الباب الأميركي لا يزال مغلقاً أمام الرغبات الاسرائيلية في الحصول على حزمة مساعدات عسكرية، وهذا ما اعترف به وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي رون ديرمر متوجّهاً إلى الأميركيين بـ”أننا لا نتعامل مع جبهة واحدة فقط. نحن لا نتعامل مع حماس في الجنوب فقط، بل نتعامل مع حزب الله في الشمال أيضاً”.

إلا أن المصادر في الكونغرس تشير إلى أن “حجب التمويل العسكري لاسرائيل لن يستمر طويلاً، لأن اللوبي اليهودي قويّ جداً، وثمة إتجاه داخل الكونغرس الى الموافقة على مساعدة اسرائيل، علماً أن ملف المساعدة لأوكرانيا يزاحم الملف الاسرائيلي، وهذا كله سيتأثّر بتجاذبات معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية”.

لا يختلف إثنان على أن بورصة احتمال وقوع الحرب بين اسرائيل و”حزب الله” أصبحت مرتفعة، وكلاهما لديهما الأسباب والدوافع لخوض هذه الحرب، بالنسبة إلى اسرائيل، ترى أن الفرصة مناسبة وسط تأييد شعبي لخوض الحرب وإنهاء خطر محور الممانعة عن حدودها الجنوبية والشمالية لمرة واحدة ونهائية. أما بالنسبة إلى “الحزب”، فإذا رضي بالتراجع إلى الليطاني سيفقد مبرر وجود سلاحه والمقاومة التي يرفع شعارها، وخصوصاً أن علامات استفهام عديدة تُطرح داخلياً من جدوى سلاحه، لذلك يؤكّد المراقبون أنه بات شبه مستحيل تفادي هذه الحرب على المدى المنظور.

شارك المقال