إسرائيل… الكيان الذي يبحث عن نفسه!

عاصم عبد الرحمن

في 14 أيار 1948 انسحبت بريطانيا من فلسطين المنتدبة وعلى الأثر أعلن ديفيد بن غوريون قيام الدولة اليهودية التي سرعان ما اعترفت بها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. ثلاث محطات رئيسة استند اليهود إليها وقادتهم إلى تأسيس وطنهم القومي هي: المؤتمر الصهيوني الأول الذي نظمه ثيودور هارتزل عام 1897، وعد وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور عام 1917 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دعا إلى قيام دولة إسرائيل الصادر عام 1947. منذ إعلان الدولة على أراضي فلسطين المحتلة عبر إعادة صياغة التاريخ والجغرافيا تبحث إسرائيل عن مستقبلها الوجودي وسط ركام حاضرها المتلاشي بين خيار البقاء وخطر الفناء. وإذا كانت العناصر المادية للدولة هي الشعب والأرض والسلطة والسيادة فما هي الهوية التاريخية والسياسية للكيان الاسرائيلي؟

مَنْ هم اليهود؟

يهود، إسرائيليون، عبرانيون وصهاينة، تعددت المسميات والشخصيات المقصودة واحدة، إنها المجموعات التي تعيش اليوم على أرض فلسطين المحتلة حيث بدأت الميليشيات الصهيونية باحتلالها منذ العام 1909 تحت سلطات الإنتداب الانكليزي. ولكن ما اعتاد الناس بصورة عامة استخدامه هو مصطلح “اليهود” الذي اختلف المفسرون حول أصوله وتسمية اليهود به. فمنهم مَنْ قال انه مشتق من كلمة “هاد” بمعنى “رجع” أي حين عادوا عن عبادة العجل، وقال آخرون إن أصل الكلمة يعود إلى “التهود” أي الصوت الضعيف فقد سُموا باليهود لأنهم يتهودون عند قراءة التوراة، ومنهم مَنْ نسب اليهود إلى يهوذا رابع أولاد النبي يعقوب. ولكن هناك مَنْ نقض ذلك النسب معتبراً أنهم يعودون إلى بقايا جماعة يهوذا الذين سباهم نبوخذ نصَّر إلى بابل في القرن السادس قبل الميلاد، كما نسبوا إلى مملكة ومنطقة يهوذا وبذلك فإن النسب إلى كل من يهوذا ويعقوب ساقط لأنهما عاشا في القرن السابع عشر قبل الميلاد وفق ما ورد في كتاب “مفصل العرب واليهود في التاريخ”.

وكانت يهوذا مدينة في فلسطين منذ عهد الكنعانيين، فبعد أن نزحت جماعة النبي موسى عليه السلام من مصر تكونت مملكة يهوذا في كنعان بعد أكثر من ألف عام من عصر النبي يعقوب وابنه يهوذا، وهكذا انتشر استخدام مصطلح اليهود على أثر السبي البابلي منذ القرن السادس قبل الميلاد.

ذكر الله تعالى اليهود في كتابه الكريم في أكثر من آية منها: “إن الذين آمنوا والذين هادُوا والنصارى…”، وقوله تعالى: “وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا…”. ويشرح ابن تيمية هاتين الآيتين كالآتي: في الآية الأولى “فالذين آمنوا هم أهل شريعة القرآن، وهو الدين الشرعي بما فيه من الملّي والعقلي، والذين هادوا والنصارى أهل دين ملّي بشريعة التوراة والإنجيل بما فيه من ملّي وعقلي”.

وقال ابن تيمية أيضاً: “إن هؤلاء المذكورين في الآية الذين أثنى الله عليهم من الذين هادوا والنصارى كانوا مسلمين مؤمنين لم يبدلوا ما أنزل الله ولا كفروا بشيء مما أنزل الله، فاليهود والنصارى صاروا كفاراً من جهة تبديلهم لما أنزل الله ومن جهة كفرهم بما أُنزل على محمد…”.

ويرى البعض أن لفظ اليهود أطلق على المنحرفين المغضوب عليهم والذين ضُربت عليهم الذلة والمسكنة من بني إسرائيل الذين تمتعوا بالفضائل. وقد نفى الله تعالى مزاعم اليهود في انتسابهم إلى النبي إبراهيم وأبنائه في أكثر من آية منها ما ورد في سورة المائدة الآية 82: “لتجدنَّ أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا”.

مَنْ هو اليهودي؟

ما من تعريف دقيق يحدد اليهودي من غيره إلى أن انتشرت ظاهرة “ادعاء اليهودية” للافادة من المقومات المادية والمعنوية التي وفرتها الحركة الصهيونية ومؤسساتها حول العالم لتشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين، وهو ما أدى إلى تفاقم ادعاء الهوية اليهودية المزعومة للحصول على المكتسبات والمقدرات المعروضة عليهم من الوكالات الصهيونية. وعليه تعالت الأصوات في الكيان الصهيوني للمطالبة بإلغاء قانون عودة اليهود إلى فلسطين والتثبت من حقيقة يهوديتهم، ما دفع المحكمة الاسرائيلية العليا ولتجاوز الخلاف في تعريف “اليهودي” إلى إنهاء الجدال عبر اعتبار أن اليهودي هو مَنْ يرى نفسه كذلك من دون الحاجة إلى التقيد بشريعتهم. مع الاشارة إلى أن الشريعة اليهودية تعرّف اليهودي بأنه مَنْ ولد لأم يهودية.

ويُعتبر يهودياً كل مَنْ ينتمي إلى اليهود الحاخاميين والقرائين والسامريين ويهود الصين وإثيوبيا والسفارد والأشكيناز والصابرا بالاضافة إلى يهود العالم وبذلك يبلغ عددهم نحو 14 مليوناً بين الشتات وداخل الكيان الصهيوني.

يفضل الكثير من الصهاينة تسمية الشعب اليهودي للاشارة إلى أن اليهود كتلة بشرية متماسكة في العالم أجمع لتجاوز الواقع الذي فرضه تشتيتهم وعيشهم في الشارع أو الحي الذي يسكنه اليهود وكذلك تعدد معتقداتهم وتفسيراتهم للنصوص، بالاضافة إلى انتماءاتهم العرقية والثقافية والحضارية واختلاف طموحاتهم وتصوراتهم وذلك وفق ما جاء في موسوعة “اليهود واليهودية” للدكتور عبد الوهاب المسيري الذي يرى أن من الأفضل أن يطلق على اليهود الجماعات اليهودية لأن مسمى يهود أو الشعب اليهودي كلمات مطلقة تؤكد التماسك والتجانس والوحدة وهم ليسوا كذلك، وعليه لا بد من تسميتهم بـ”شتات اليهود” لأنهم جماعات مختلفة متفرقة غير متجانسة ومن أعراق شتى كالعرق الفلاشي الإفريقي، العرق القوقازي السوفياتي، العرق الأشكينازي الأوروبي وكذلك الأميركي، العرق الشرقي العربي وعرق دول حوض البحر المتوسط.

ما هي لغة اليهود؟

لا شك في أن للجماعات اليهودية لغتها الخاصة التي تتداول بها في ما بينها وداخل مجتمعاتها وهي اللغة العبرية على اعتبار أن اليهود يطلق عليهم “عبرانيون” وهي تسمية اختلفت الآراء حولها منها ما يعود إلى “عِبْر” الجد الخامس للنبي إبراهيم، وإلى الموطن الأصلي لبني إسرائيل الذين كانوا في الأصل من الأمم البدوية الصحراوية التي لا تستقر في مكان، بل ترحل من بقعة إلى أخرى بإبلها وماشيتها للبحث عن الماء والمرعى. إلا أن أغلب المؤرخين أجمعوا على أن تسمية “العبرانيون” ناتجة عن عبور إبراهيم نهر الفرات وفق ما جاء في سفر يشوع: “وهكذا قال الرب إله إسرائيل في عبر النهر سكن آباؤكم منذ الدهر”.

في السياق نفسه يقول الأستاذ شراب في كتابه “العرب واليهود في التاريخ”: “لفظ العبري أطلق تاريخياً على شراذم من الغجر الرُحَّل الذين كانوا يعيثون في الأرض فساداً ويتبعون الجيوش الغازية بوصفهم مرتزقة يستعان بهم في الأعمال الدنيئة، ما ينزع عن لغتهم العبرية نسب النبي إبراهيم التي جاءت متأخرة جداً عن زمنه، فاللغة العبرية هي لهجة آرامية عربية ظهرت بعد عصر النبي موسى بحوالي 600 سنة، والتوراة نزلت باللغة الهيروغلوفية حيث خاطبت قوماً في مصر أو الذين أخرجوا منها”.

إذاً، العبرية هي إحدى اللغات السامية من المجموعات الكنعانية وهي مجرد لهجة تشتق منها اتخذها العبرانيون لغة لهم بعد تسللهم إلى أرض كنعان، ولم تسمَّ بالعبرية إلا في وقت متأخر من العصور الوسطى إذ لم يرِد ما يشير إليها في صحف العهد القديم.

ظهرت أول مجلة عبرية عام 1856، وقد حاول المفكر الصهيوني إليعازر بن يهودا إحياء العبرية، وقام صراع حول استخدامها في الصلاة على اعتبار أنها مقدسة لا يجوز امتهانها في الاستخدام اليومي، فحاول الاصلاحيون استبعادها لتأكيد عدم ازدواج ولاء اليهود ولتشجيع اندماجهم الحضاري واللغوي مع الأمم التي يعيشون بينها، في حين حاول المحافظون والأرثوذكس الحفاظ عليها وإن بدرجات متفاوتة. ونشبت على الأثر حرب اللغة بين دعاة استخدام اللغتين العبرية والألمانية فانتصرت العبرية.

اليوم وبحسب قانون الكيان اليهودي، فإن العبرية هي اللغة الرسمية للدولة مضافاً إليها العربية، إذ إن معظم اللافتات حصراً يُكتب باللغتين العبرية والعربية خصوصاً في الأحياء والأماكن المختلطة. وتجدر الاشارة إلى أن الكتب اليهودية متنوعة وبعضها مكتوب بالآرامية، وعليه تحاول الحكومة استخدام اللغة لتذويب الفوارق القومية الدينية على اعتبار أن العبرية هي أسطورة “بوتقة الصَّهْر” الاسرائيلية. وفي السياق عينه فإن الاذاعة الصهيونية تذيع برامجها بلغات عديدة منها: الفرنسية، الانكليزية، الرومانية، التركية، الفارسية، العربية، الروسية، الاسبانية وغيرها لأن الشتات اليهودي لا يزال يتكلم بلغة موطنه الذي ينحدر منه في مجتمعه الصغير بينما يتحدث العبرية في مجتمعه الخارجي داخل الكيان الاسرائيلي.

يهودا أم إسرائيل؟

نحن أعضاء مجلس الشعب ممثلي الجالية اليهودية في أرض إسرائيل والحركة الصهيونية في يوم انتهاء الانتداب البريطاني على أرض إسرائيل. وبفضل حقنا الطبيعي والتاريخي وبقوة القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، نجتمع هنا لنعلن قيام الدولة اليهودية في أرض إسرائيل والتي سوف تدعى “دولة إسرائيل”.

في 14 أيار 1948 اجتمع قادة الميليشيات الصهيونية فوق دماء أبناء قرية دير ياسين الفلسطينية وأعلنوا عن إنشاء كيانهم الغاصب وفق شرعية دولية مدفونة في المقابر الجماعية التي حفروها في التراب المقدسي المقدس. وكان قد سبق الاعلان عن قيام الكيان الصهيوني سجال حاد تمحور حول تسمية الدولة الوليدة، إذ كتب الصحافي الصهيوني أهرون رؤبيني مقالة في صحيفة “هآرتس” العبرية معبّراً فيها عن استغرابه من تبني ديفيد بن غوريون أول رئيس لوزراء إسرائيل اقتراح تسمية الدولة، مستشهداً بمقالٍ كتبته زوجة أحد قادة الحركة الصهيونية يهودا أليتسور في صحيفتي “هآرتس” و”جيروزاليم بوست” أن زوجها كان أول من اقترح اسم إسرائيل ونشره في صحيفة “بلستاين بوست” باللغة الانكليزية في 12 أيار 1948.

كان هنالك اتجاه لدى القادة الصهاينة إلى تسمية دولتهم بـ “يهودا”، ولكن سرعان ما استبعدت هذه التسمية لكون القسم الذي مُنح لليهود وفق مشروع التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة لم يشمل أياً من أراضي مملكة يهودا التاريخية، كما أن الدولة الجديدة لا تضم القدس التي كانت عاصمة يهودا.

من الأسماء التي طرحت للنقاش كانت صهيون وهو جبل في القدس التي تقرر أن تخضع لنظام دولي خاص وفق ما اقترح الوسيط الدولي للسلام فولك برنادوت. كما طرح اسم أرض إسرائيل ولكن لم يلقَ قبولاً من القادة الصهاينة على اعتبار أن القسم الأكبر من الأراضي الاسرائيلية وفق زعمهم بقيَ خارج حدود الدولة المعلنة.

وعلى الرغم من أن اسم إسرائيل لم يستخدم قط قبل إعلان الدولة بالنظر إلى مختلف التسميات التي أطلقت على الجمعيات والأندية والصناديق المالية وحتى المؤتمرات اقترنت بتسميات “اليهودية” ولم تتم الاشارة في أي منها إلى إسرائيل، هذه التسمية التي شكلت خلاصاً للمجموعات اليهودية المختلفة لتجتمع تحت مسمى يوحد اتجاهاتهم ويلملم انتماءاتهم المتعددة وأصولهم المبعثرة، والفضل في ذلك يعود إلى النبي يعقوب الذي لُقب بـ “إسرائيل” أي عبد الله بتفسير “إسرا” عبد و”إيل” الله وإليه نُسب بنو إسرائيل. أما يهود اليوم فهم ينتسبون زوراً إلى النبي يعقوب وذلك لإثبات عدم اختلاطهم بالشعوب الأخرى ليتحقق لهم الزعم بنقاء الجنس اليهودي وأنهم النسل المباشر ليهود التوراة ما يبرر عودتهم إلى أرض الميعاد المزعومة.

وما ينزع سلالة النبي يعقوب عن يهود اليوم قول الله تعالى في سورة البقرة الآية 132: “وَوَصَّىٰ بِهَاۤ إِبۡرَ ا⁠هِيـۧمُ بَنِیهِ وَیَعۡقُوبُ یَـٰبَنِیَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّینَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾، فاليهود إذاً، ليسوا مسلمين ويعتقدون بأن الله هو ثالوث حلولي مكون من الرب والشعب والأرض، يعظمون النبي موسى وينكرون المسيح والرسول محمد (ص).

إن أكثر من 92% من اليهود والذين يستوطن غالبهم في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وإسرائيل ليسوا من سلالة “يهود الأرض المقدسة” وفق ما ورد في تاريخ العهد القديم. ثم إن ملك الخزر ونبلاءه وعدداً كبيراً من شعبه تحولوا عن وثنيتهم إلى الشريعة اليهودية وسمّوا أنفسهم يهوداً وهو مصطلح درج استخدامه في أواخر القرن الـ 18 ميلادي.

سلطة بلا دستور

يعتمد الكيان الاسرائيلي في حكمه على نظام ديموقراطي برلماني يحكمه العديد من القوانين الأساسية من دون أن يكون له دستور رسمي مكتوب، ويتكون النظام السياسي من ثلاث سلطات أساسية: التشريعية والتنفيذية والقضائية. السلطة التشريعية (الكنيست) يبلغ عدد أعضائها 120 ومدة ولايتها 4 سنوات، أبرز وظائفها هي تأليف الحكومة وتمثيل المواطنين ومراقبة السلطة التنفيذية والتشريع.

السلطة التنفيذية (الحكومة) وتتألف من رئيس الحكومة الذي يجب أن يكون عضواً في الكنيست والوزراء الذين ليسوا بالضرورة أن يكونوا كذلك. يرأس رئيس الحكومة السلطة التنفيذية في إسرائيل وهو أهم لاعب سياسي في النظام الاسرائيلي وتنبع قوته من ثلاثة عوامل هي: صلاحيات منصبه، رئاسته للحزب الأكبر في الكنيست وكونه رئيس الائتلاف الحكومي الذي يعمل بمبدأ المسؤولية الجماعية.

أما رئاسة الكيان فقد ابتكر لها النظام السياسي مؤسسة ذات صلاحيات رمزية توفيقية وتجميعية في المجتمع. ويحق لكل مواطن إسرائيلي مقيم أن يترشح للرئاسة التي تبلغ مدة ولايتها 7 سنوات غير قابلة للتمديد وينتخبه الكنيست سرياً بأكثرية مطلقة (61 عضواً). يكلف زعيم الأكثرية النيابية برئاسة الحكومة وله أن يعيّن قضاة المحاكم المدنية والدينية اليهودية والإسلامية وتعتبره الجاليات اليهودية المنتشرة حول العالم رئيساً لهم أيضاً.

وهناك السلطات المحلية التي يعرّفها القانون التفسيري لسنة 1981 على أنها مؤسسة ذات طابع قانوني ويقسمها إلى بلديات وإتحادات مدن ومجالس محلية وإقليمية تؤمن الخدمات الحياتية اليومية للمواطنين.

تجدر الاشارة إلى أن هناك مؤسسة رقابة رسمية مهمتها مراقبة المؤسسات الحكومية والجماهيرية وتقويم نشاطاتها تحت مسمى “مراقب الدولة” الذي سنَّ الاحتلال الاسرائيلي قانونه سنة 1949 وأنشئ بمقتضاه ويعتبر إحدى أولى المؤسسات التي أقيمت في إسرائيل.

عكفت لجنة الدستور والقانون والقضاء في السنوات الأخيرة على مناقشة مسودة مشروع دستور لدولة الاحتلال للتأكيد أن إسرائيل هي دولة يهودية وديموقراطية أو دولة للشعب اليهودي. من هنا يمكن القول ان أمام إسرائيل معوقات هائلة تحول دون قيام دولة ذات هوية سياسية تتمتع بالسيادة التي تقوم على اعتراف الدول بها وهو ما لن يتحقق في ظل تعنتها بقتل الشعب الفلسطيني وفق ما هو معلن من معظم الدول العربية والاسلامية. ويدور نقاش في الداخل الاسرائيلي حول طبيعة ديموقراطيتها وماهية نظامها السياسي، إذ يعتبر التيار الأكاديمي المركزي أن إسرائيل تنتمي إلى قائمة الدول الديموقراطية الغربية في العالم أي الليبرالية، في مقابل مَنْ يعتبر أنها ديموقراطية ضعيفة تشوبها نقاط ضعف كثيرة أبرزها: الاحتلال، التمييز ضد المواطنين العرب واستمرار الاستيطان وتهويد المقدسات.

اعتبر عالم الاجتماع الاسرائيلي سامي سموحا أن الديموقراطية الاسرائيلية هي إثنية تنطلق من هيمنة مجموعة إثنية على كل ما يتعلق بالحيز والرموز والعلم والنشيد القومي والثقافة والموارد السياسية والاقتصادية مع منح الأقليات نوعاً من المساواة ما يصعب مهمة تعريف الدولة وتالياً انحيازها إلى المجموعة المسيطرة ما يعني أنها تتمتع بملامح نظام استبداد الأكثرية، وعليه اعتبر الباحثان الاسرائيليان أورن يفتحئيل وأسعد غانم أن إسرائيل هي دولة “إثنوقراطية”.

إذاً، من الواضح أن الجماعات اليهودية المحتلة التي زوّرت التاريخ وتلاعبت بالحقبات الزمنية وبدلت جلودها لإثبات ادعاءات تناسلها من الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإعلان حقها بأرض الميعاد المزعومة في فلسطين، ما هي إلا شرذمة متصهينة مشتتة ليست على شيء تاريخياً ودينياً وثقافياً وحضارياً. وبناءً على ما تقدم من خلافات واختلافات حول هوية إسرائيل السياسية وحدودها الجغرافية واعتراف دول الجوار بسيادتها وممارسة العدوان بأبشع صوره، كلها عوامل أساسية تحول دون كتابة دستور يحدد طبيعة النظام السياسي للكيان الذي سيبقى كياناً نازياً غاصباً مرتكباً للإبادة الجماعية بحق التاريخ والأرض والهوية، فحتى العلم الذي يتخذه شعاراً قد سرقه من إمارة قرمان الإسلامية التي تأسست سنة 1250 جنوبي الأناضول التركية.

شارك المقال