انتخابات البلدية بحكم التأجيل ما سيزيد من إنهيارها!

زياد سامي عيتاني

أسابيع قليلة تفصلنا عن انتهاء ولاية المجالس المحلية والاختيارية الممدد لها في لبنان، وسط ما ينتاب الأوساط السياسية والشعبية من مخاوف متزايدة من تأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها في أيار المقبل، مع غياب أيّ مؤشرات على استعدادات تجري لانتخابات جديدة. وكان مجلس النواب اتخذ في نيسان 2023، قراراً بتأجيل الانتخابات البلدية، مع تمديد ولاية المجالس القائمة على أن تنتهي ولايتها في 31 أيار 2004، بسبب العجز عن تأمين التمويل، بحسب وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي. وكانت تلك المرة الثانية التي يرجئ فيها مجلس النواب الانتخابات البلدية والاختيارية، بحيث كانت الحجة التي سيقت في المرة الأولى هي تزامنها مع الاستحقاق النيابي.

ويبدو أن الحكومة تتجه بالفعل للمرة الثالثة إلى تأجيل الانتخابات البلدية في جميع المناطق تحت ذريعة الوضع الأمني الناتج عن التوتر في الجنوب. وما يعزز هذا الاعتقاد، ما أعلنه في وقت سابق وزير الداخلية: “نأمل أن تنتهي الحرب في الجنوب قبل شهر أيار المقبل، حتى نتمكن من إجراء الانتخابات البلدية”. وتبدو حجة التأجيل الجديد للانتخابات مجرد ذريعة سياسية وأمنية، بسبب تلاقي كل القوى السياسية القابضة على السلطة حول عدم تشجيع الانتخابات لما تعانيه من تراجع في شعبيتها، جراء الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، نتيجة تماديها في الأزمة السياسية العميقة، التي تسببت في تقويض مؤسسات الدولة، فضلاً عن الفراغ في السلطة، حيث أن البلد من دون رئيس للجمهورية منذ انتهاء ولاية ميشال عون في تشرين الأول 2022، وما تمخض عنه من تعطيل في كل مؤسسات الدولة واداراتها، من دون التمكن من إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ولا يعتبر قرار تأجيل الانتخابات البلدية أمراً غريباً في الممارسة السياسية في لبنان، إذ غالباً ما يعطل نظام المحاصصة السياسية والطائفية الاستحقاقات المهمة، وبينها تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس للبلاد أو حتى الانتخابات البرلمانية. لذلك، فإن الحكومة اللبنانية تفضل الحل الأسهل المتمثل في التأجيل والتمديد للمجالس القائمة، وهو ما يؤدي إلى انهيار البنية الادارية، ويتسبب في تداعيات خطيرة في الخدمات بصورة تضاعف الأزمات الحياتية.

وسيترافق قرار التأجيل مع تفاقم تداعيات الأزمة الاقتصادية، وهو ما يتطلب وجود مجالس منتخبة وقوية تتولى مسؤولية القرى والبلدات، وتخفف من عبء غياب الدولة وإداراتها المختلفة في هذه المناطق. وسوف يكون قرار التأجيل كارثياً على العمل البلدي والمحلي، وسيؤدي إلى المزيد من الانهيار في أعمال المجالس، ويصيبها بالشلل الكامل، لا سيما أن هناك الكثير منها “منحلة” وتسلمت وزارة الداخلية مسؤولياتها، وأخرى معطلة بسبب الخلاف بين أعضائها.

على الرغم من التحجج بالأوضاع المتفجرة في الجنوب، فإن المتابعين يجزمون بأن تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية كان مقرراً وبصورة مبكرة، من دون أن تجرؤ القوى السياسية على الحديث عن ذلك، بدليل أن حكومة تصريف الأعمال أغفلت في الموازنة العامة لعام 2024 رصد الاعتمادات اللازمة لاجراء الانتخابات البلدية، قبل أن تجري لجنة المال والموازنة النيابية التعديلات عليها.

شارك المقال