منذ مغادرة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بيروت الاثنين الماضي تكثر التحليلات والتقديرات التي خلصت في نهاية المطاف الى أن مهمته عُلقت حتى اشعار آخر خصوصاً وأن الرهان على ابرام صفقة حول غزة قبل بدء شهر رمضان سقط، حتى جاءت الزيارة السرية الخاطفة التي قام بها المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل الى قطر لترسم السؤال: ماذا يحصل خلف الكواليس؟ وما علاقة هذه الزيارة بطروح هوكشتاين التي أودعها رئيس مجلس النواب أو بالتحرك القطري على خط الرئاسة؟
تقول مصادر الثنائي لموقع “لبنان الكبير”: ان هوكشتاين وفي زيارته الأخيرة أتى بصياغات مختلفة مستفيداً من الرفض الذي جوبهت به الورقة الفرنسية على بعض النقاط والتي يبدو أنها كانت بالون اختبار، فأزال منها “اللي ما بيمشي” وترك طروحاً جديدة للدرس والتفاوض والعمل جار عليها مع القنوات المختصة، كاشفة أن الأميركيين أبلغونا أن هناك جهداً كبيراً سيمارس في هذا الأسبوع لانجاح إبرام الصفقة التي ستغير الوضع برمته. وحتى الآن العمليات العدائية مضبوطة من الفلتان بانتظار أن يحصل خرق في مفاوضات غزة التي تبقى مفتاح الحلول.
وبالنسبة الينا توضح المصادر، الملفات تتابع وزيارة علي حسن خليل الى قطر ليست يتيمة، كل اتصال وكل لقاء مهم في مفاوضات التوصل الى الحل الكبير والجبهات المرتبطة، اما سؤال هل نصل الى نتائج؟ فهذا أمر آخر، لكن حجر الرحى يبقى اتفاق غزة.
وفي جولة على المشهد اللبناني، ترى المصادر أن البلد بخير، والحمد لله أنه هكذا وليس غير ذلك، فلنبدأ من هنا. اذ على الرغم من كل الدمار والشهداء والقلق لا يزال الوضع تحت السيطرة، فلا ننسى أن لا خيار أمامنا سوى أن نكون في “بوز المدفع”، الوضع متفجر في كل الاتجاهات التي تحيط بنا ولا نستطيع ارخاء السلاح ولا إدارة الظهر وإلا سنرى عدونا في شوارع بيروت، والأيام ستثبت صحة موقفنا من أننا قمنا بضربة استباقية وكان الاسرائيلي ينوي الهجوم علينا بشتى الأحوال.
وتتابع المصادر: بماذا أخطأنا؟ هل لأننا كنا حالة منيعة ضد إسرائيل؟ من يريد العودة إلى نظرية قوة لبنان في ضعفه أصبحت ورقته مكشوفة، فكل الدول المجاورة لاسرائيل ستدفع الثمن ولن تبقى اتفاقيات سلام مع الدول المجاورة للاحتلال الا وستنسف، انظروا الى رفح والضفة. نحن لا نخوض معركة ضد الأميركيين، فالولايات المتحدة ليست بالنسبة الينا مثل إسرائيل، لكن مشكلتنا معها أنها تدعم هذا الوحش الذي لن يوقف الحرب الا اذا سجن أو قتل، وما دام موجوداً بقوته وبالدعم الذي يتلقاه، الحرب مكملة مهما كان الثمن الذي يدفعه الاسرائيليون، وكل من يقول غير ذلك لا يقول الحقيقة أو يتغاضى عنها، وللأسف الى جانب (بنيامين) نتنياهو الذي لا يريد وقف الحرب هناك العديد من الدول التي تفضل أن تربح إسرائيل المعركة وأن تخسر “حماس” لأن نصرها سيكشف خطأ الرهانات وسيوقظ الشعوب.
وتعتبر المصادر أن في نقاط الربح والخسارة، يمكن تسجيل عدة نقاط لصالح “حماس” منها أنها رفعت القضية الفلسطينية إلى أولى الاهتمامات الدولية وغيّرت الرأي العام العالمي وعرّت إسرائيل من المبادئ الأخلاقية والانسانية وحققت صموداً أسطورياً أمام أقوى جيوش العالم، كلها نقاط ربح ولكن السؤال الى متى ستبقى “حماس” صامدة؟ من الواضح من خلال المعارك التي تخاض بشراسه في غزة أن “كتائب عز الدين القسام” بدأت تقتصد في السلاح وبالذخيرة ما يشير الى أنها تستعد لحرب طويلة الأمد. فحتى الاسرائيلي لولا الدعم العسكري الذي يتلقاه من الولايات المتحدة التي ترفده بالذخيرة بصورة كبيرة لكانت قوته القتالية قد تراجعت في أوائل شهور الحرب، فاستمرار الحرب يعني استمرار الذخيرة.
والى لبنان تؤكد المصادر أن المعادلة راسخة وواضحة وضوح الشمس: لا وقف إطلاق نار في الجنوب قبل وقف إطلاق النار في غزة، وهنا أصبح السؤال هل يحصل وقف إطلاق نار في غزة؟ أصبحنا نشك بهذا الأمر، لأن هذه الحرب أصبحت بالنسبة الى نتنياهو كالأوكسجين الذي يتنفسه. الأميركيون إلى جانبه يديرون المعارك وضباط الجيش الأميركي موجودون على الأرض. و”حماس” أبلغتنا أكثر من مرة أن دماء الأطفال لن تذهب هدراً ووقف إطلاق النار لن يكون على حسابهم وعلى حساب الدم الفلسطيني الذي سال كالأنهر.
الجنوب يستعد لترتيب يستفيد منه عند الوصول الى اتفاق، فهناك رغبة كبيرة لدى الحكومة الاسرائيلية في عودة النازحين إلى المستعمرات، ومقابل هذا الأمر لن نتنازل عن تحرير الجزء المحتل من أرضنا.
الاسرائيلي يعلم جيداً أن “حزب الله” إذا وافق على شيء فسيلتزم به إذا التزم هو، في المقابل الثمن يكون انسحاب العدو من أرضنا كاملة والعودة الى قواعد اشتباك العام ٢٠٠٦، “ما تقرب علي ما بقرب عليك” هذه هي القاعدة. فأهم شرط يمكن أن يحققه لبنان هو أن يفرض على الاسرائيلي الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وما تبقى من الغجر، وأن يوقف الطلعات الجوية التي التزم بها بعد الـ ٢٠٠٦ وبدأ بخرقها مع بداية الحرب السورية.
وتكشف المصادر أن تقديرات جدية يتعاطى معها “حزب الله” تحذر من أن استمرار الحرب في غزة سيرفع منسوب الخطر في الجنوب ويزيد من النوايا العدوانية الاسرائيلية لارتكاب مجزرة ما يدعون بعدها أنها حصلت بالخطأ للخروج من هذه الدوامة. وعلى الرغم من تأكيد أكثر من طرف دولي أن إسرائيل ليست بنية توسيع حربها في لبنان إلا أن الرسائل التحذيرية كانت جدية من امكان إقدامها على عدوان كبير، والخوف من صيف ساخن ينتظرنا.
رئاسياً، سنبقى معلقين بانتظار الحل في غزة على الرغم من المساعي لفصل هذا الملف عنها وعن الحرب في الجنوب، فكلما طال أمد الحرب ازداد الارتباط بين الملفين. وبالنسبة الى الثنائي لا تراجع عن سليمان فرنجية مهما كلف الأمر خصوصاً بعدما سمعنا كلاماً بأن لا مشكل لدى الأميركي معه، فهو ربما أصبح يريحه من موقعه بما ومن يمثل وبقربه من الثنائي الذي اقتنع أكثر من أي وقت مضى بأن لا Deal ولا تسوية الا معه لضمان نجاحها.
وفي الملف الرئاسي على الرغم من كل ما ينقل زوراً عن بدء القبول بالاسم الثالث، الثنائي لن يقبل التنازلات ومتمسك بفرنجية، خصوصاً في هذه المرحلة التي لا تشبه أياً من تاريخه السياسي.
وتذكر المصادر بأن الفرنسي لجأ عام 2012 الى الايراني وشكا له تمسك “حزب الله” بميشال عون طالباً المساعدة من أجل التخلص منه، فكان جواب الايراني أن الملف اللبناني لدى السيد حسن نصر الله.
وخيارات الثنائي الشيعي في موضوع الرئاسة لدى الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله، لذلك الكلام معهما وليس مع أي طرف آخر. والآن تقول المصادر ان خيارنا سليمان فرنجية ولا عودة عنه لأنه الوحيد الذي يطمئن المسلمين ويثبت المسيحيين في أرضهم ويحفظ العيش الواحد، فالرجل واضح بمارونيته وبعدائه لاسرائيل وحتى الآن نحن غير مقتنعين بأسباب رفضهم له، هل لشخص فرنجية أم لأنه مرشح “حزب الله”؟ نحن نرى أنه رجل المرحلة ومن لديه مشكلة فليسمِّ لنا شخصاً يكون نموذجاً لهذه المرحلة ويؤدي الأدوار نفسها التي يحتاج اليها لبنان حالياً. كما أننا نستغرب كيف يغيب عن أذهانهم أن لبنان نقيض لاسرائيل بالتنوع الذي يميزه الوجود المسيحي، والنموذج اللبناني كان ولا يزال تهديداً لاسرائيل التي تطمح الى اقامة دولة دينية من لون واحد ومن عرق واحد ولغة واحدة، وتاريخياً هناك محاولات لتخويف المسيحيين ودفعهم الى الهجرة (اعترافات كيسنجر ودان براون…) وليتذكروا من كان يدفع الرئيس الراحل سليمان فرنجية الجد ويشجعه على هجرة المسيحيين ويقدم المغريات لنقلهم عبر البواخر الى كندا وأستراليا، ثم ذهبوا الى ترويج خطة التقسيم والفديراليات لعزل الطوائف عن بعضها، لكن يبدو أن “القط يحب خناقه”.
ومن يشك في نوايانا وكلامنا فليعد الى أبرز قادة الصهيونية التصحيحية الحاخام مائير كاهانا الذي يردد دائماً “لا رسوخ لدولة اسرائيل قبل القضاء على الصيغة اللبنانية”.