لماذا تجاهل القاتل الحقيقي؟!

عالية منصور

6:07 الرابع من آب 2020، 6:07 الرابع من آب 2021

مر عام على تلك اللحظة، لحظة سمعت صوت قصف أو طيران، لحظة فقدت صوابي وتركت كل شيء حينها وركضت لأحمل ابني وأحميه، أحميه من شيء ما كنت أجهله حينها، واعترف أني حتى هذه اللحظة لا أفهمه تماماً. تلك اللحظة التي لا أزال عاجزة عن وصفها أو تخطيها أو حتى التعايش معها، لحظة لا أزال حتى اليوم أعيش دهشتها، وما زال الخوف منها يسيطر عليّ.

لقد فقدنا حلماً جميلاً في تلك اللحظة، كنسناه مع بقايا الزجاج الذي تساقط. لم يكن مجرد زجاج. كان تحطم المستقبل والحلم أمام أعيننا. لقد سقط قمرنا في تلك اللحظة في استعادة ما لقصيدة محمود درويش التي تكاد تحاكينا:

عندما يسقط القمر

كالمرايا المحطمة

يكبر الظلُّ بيننا

والأساطير تحتضر

لا تنامي.. حبيبتي

جرحنا صار أوسمة

صار ورداً على قمر ….

نعم صار جرح بيروت وساماً على صدر كل ضحايا القهر والميليشيات الظلامية التي تصر على نشر سوادها فوق ألوان حلمنا.

كلما تذكرت لحظة تفجير بيروت، لحظة انفجر المرفأ فحول شيئاً داخل كل منا إلى شظايا، راح ذهني إلى غوطة دمشق وإدلب ودرعا، وكلما شاهدت حجم الدمار اختلطت علي المشاهد، فلم أعد أعرف هل هذه المشاهد من حمص أم من حلب أم من بيروت؟

لم تصبني الدهشة عندما بدأت تتكشف الوثائق عمن يملك شحنة نترات الأمونيوم، ولا أن ما انفجر ليس سوى جزء بسيط من الكمية التي دخلت مرفأ بيروت. فرجال الأعمال السوريون – الروس المتورطون في إدخال شحنة نترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، وفق تقارير بثتها أكثر من وسيلة إعلام محلية وعالمية، هم أنفسهم المتورطون بقتل السوريين وتمويل قتلهم، لا بل أن جورج حسواني صاحب الشركة المتورطة بشراء وإدخال شاحنة نترات الأمونيوم إلى بيروت في العام 2013، هو نفسه جورج حسواني الوسيط بين النظام السوري وتنظيم “داعش” في عمليات شراء النفط بين الطرفين، وهو ما تم كشفه عندما وُضع اسمه على لائحة العقوبات الأميركية والأوروبية.

وإن كانت الشحنة التي أدخلت إلى مرفأ بيروت تزن 2750 طناً، فإن الكمية التي انفجرت في 4 آب هي وفقاً لما صرح به آنذاك رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، نقلاً عن تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي) تقدّر بـ500 طن، فلنا أن نتخيل كيف انفجرت باقي الكمية على رؤوس السوريين، وكيف سقطت البراميل فحولت أجسادهم أشلاء على مدى السنين الماضية.

ولكن لا أستطيع إلا أن أعترف أن الدهشة تتملكني في كل لحظة أرى فيها سياسيين وحزبيين وصحافيين وناشطين يوجهون تهمة بجريمة، بحجم جريمة تفجير بيروت، إلى جميع السياسيين وجميع الأحزاب وجميع المسؤولين والموظفين السابقين والحاليين، من دون أن يشيروا بإصبع ما إلى القاتل الحقيقي الذي لم يشبع يوماً من دماء اللبنانيين كما السوريين.

قد يكون لكل من يتعاطى الشأن العام مشروعية محاولة استغلال أي حدث والاستفادة منه سياسياً، ولكن من المؤكد أن لا أحد يملك تمييع جريمة تفجير بيروت وإدخالها في بازار النكايات السياسية واللعبة الانتخابية. لا أحد، مهما علا شأنه، يملك الحق بوضع خطوط حمر على من كان يعلم أن العاصمة ستنفجر بأهلها وسكانها واختار الصمت. لا ديبلوماسية ولا واقعية تسمح بالسكوت عمن ينتهك سيادة لبنان يومياً لممارسة إجرامه في سوريا بعد أن كان ينتهكها ليمارس إجرامه في لبنان، لا شيء يشفع لميليشيا حولت لبنان إلى ممر لمشاريع طهران التوسعية، وحولت بيروت إلى قنبلة موقوتة انفجرت في تلك اللحظة بأهلها وضيوفها.

إقرأ أيضاً: ذكرى انفجار المرفأ… هل يستعيد دوره يوماً؟

في بيروت سقط أكثر من 217 ضحية، أكثر من 70 منهم من غير اللبنانيين، 43 من الجالية السورية، أطفال هربوا من براميل الأسد و”حزب الله” في سوريا، فلاحقتهم نترات الأمونيوم إلى ملجأهم وقتلتهم وقتلت أحلامهم. كيف يملك البعض الجرأة، إن لم نقل الوقاحة، ليتجاهل كل هذا ويقول إن الفساد هو المسؤول؟ كيف يملك البعض الوقاحة ليقول إن طائفة وحدها هي المستهدفة؟ لقد تعرضت بيروت لثالث أكبر انفجار في العالم، بيروت التي لم تكن فقط عاصمة لبنان، بل كانت حلماً وملجأ لجميع الأحرار، لقد دمرها بشار حافظ الأسد، ولا يزال البعض يصر على التعامي والتغافل عن كل ذلك ليحول تلك الجريمة إلى حدث يستثمره انتخابياً وشعبياً.

4 آب جريمة تضاف إلى جرائم الأسد وميليشيات إيران، وكل من يساهم بتمييع القضية هو شريك في المسؤولية مع محور القتل.

4 آب يوم انكوينا نحن الهاربين من جحيم البراميل بنارها. تلك اللحظة التي انكسرت أمامنا المدينة التي ظننا أنها ملاذنا. تلك الصرخات التي اختلطت بصرخات أمهات سوريا، ولا أعرف إن كنت يوما سأقدر على التمييز بين أصوات الضحايا.

شارك المقال