بايدن ونتنياهو… نحو الافتراق؟

زاهر أبو حمدة

يختلط الأمر حين يكون الحديث حول تأثير إسرائيل على الولايات المتحدة والعكس، ليصل حد القول إن “اللوبي الصهيوني” يتحكم بساكن البيت الأبيض ويحدد سياسة إدارته. طبعاً هذه خرافة لا أكثر، والحقيقة أن الولايات المتحدة لها مصالحها وربما تتعارض مع مصالح الاحتلال. لكن الثابت حتى الآن أن الولايات المتحدة لا تتخلى عن دعمها لدولة إسرائيل ككيان استعماري احلالي على الأرض الفلسطينية. وهذا ثبت بالدعم العسكري والسياسي والديبلوماسي غير المحدود لا سيما بعد 7 تشرين الأول الماضي. فإدارة جو بايدن تبنت رواية بنيامين نتنياهو كما هي وسوّقت لها وأعطت غطاءً عالمياً للإبادة الجماعية في غزة. وبعد ستة أشهر بدأت تطفو بعض الخلافات في السياق أي التكتيك وليس في الأهداف، وذلك بعد الفضيحة الأخلاقية والتظاهرات الكبرى في المدن الأميركية لوقف إطلاق النار واقتراب الانتخابات الأميركية وتراجع حظوظ بايدن عند الكتلة الانتخابية العربية والاسلامية في الولايات المتحدة.

أما آخر الضجيج حول الخلاف بين بايدن ونتنياهو، فأوضحه كلام زعيم الأغلبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر: “نتنياهو ضلّ طريقه، ويجب على إسرائيل أن تذهب إلى الانتخابات المبكرة”. وأضاف: “ان ائتلاف نتنياهو لم يعد مناسباً لاحتياجات إسرائيل بعد 7 أكتوبر. ان نتنياهو يتبنى سياسة خطيرة تضع معايير المساعدات الأميركية على المحك”. تكمن أهمية شومر في أنه صديق لنتنياهو ومؤيد كبير تاريخياً لسياسات حكومة الاحتلال. أما ما نقلته صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤول أميركي رفيع، أن “ما يحدث في غزة فوضى من صنع إسرائيل وهي من تتحمل مسؤولية المجاعة الجماعية”، جعل الضغط الأميركي المكثف على الحكومة ومجلس الحرب أمام اختبار في العلاقة بأكملها وليس بين نتنياهو وبايدن فقط، إذا ارتبط ذلك بالمساعدات العسكرية والمالية والسياسية.

صحيح أن نتنياهو يفضل الحفاظ على ائتلافه المتطرف مقابل أي تباين أو خلاف مع واشنطن، إن كان ذلك يتعلق بحل الدولتين أو وقف إطلاق النار في غزة أو التصعيد على الجبهة اللبنانية، لكن الخلاف الأساسي حالياً حول اجتياح رفح والكلفة المتوقعة في الأرواح إضافة إلى احتمالية توتير العلاقات مع مصر. وهنا ظهر تقرير الاستخبارات الأميركية وتشكيكها العلني في آفاق قيادة نتنياهو في تقويمها السنوي للتهديدات، ولذلك احتج مسؤولون إسرائيليون على ما اعتبروه محاولة للتدخل في السياسة الداخلية الاسرائيلية من خلال “تسليح” التقارير الاستخباراتية. وهكذا يصبح النزاع الأميركي الاسرائيلي أو مع طرف نتنياهو، باعتبار أن الادارة الأميركية حاولت إظهاره كعقبة بعد زيارة بني غانتس الأخيرة لواشنطن، أنه يتحدث عن “نصر قريب يكتمل في رفح” أما الاستخبارات الأميركية فترى أن “إسرائيل تبالغ في تقدير الضرر الذي ألحقته بحماس”، ويشككون في أن نتنياهو لا يزال لديه طريق لتأمين غزة وتحقيق الاستقرار في المنطقة، حتى لو قام بتدمير الكتائب الأربع في رفح. وبعد هذا التقرير، عاد نتنياهو يؤكد أن معركة رفح وشيكة وأكيدة، إلا أن “بوليتيكو” نقلت عن مسؤول في البنتاغون أن “عدم تحرك إسرائيل في رفح علامة على أنها تضع التحذيرات الأميركية في الاعتبار”.

وفي المقابل، على الرغم من الخلاف حول اجتياح رفح، يمكن التوافق بين نتنياهو وبايدن بعد نقل النازحين نحو وسط غزة عقب التنسيق مع الادارة الأميركية ودخول المساعدات بكثرة. لكن إن لم يحدث التنسيق “من المرجح أن تؤدي إلى تحول كبير في السياسة الأميركية – بما في ذلك إنهاء الدفاع عن إسرائيل في الأمم المتحدة والقيود المفروضة على استخدام الأسلحة الأميركية من قوات الدفاع الاسرائيلية في غزة..” حسب ما ينقل موقع “أكسيوس” عن مسؤولين أميركيين. وبالفعل، كانت هناك عدة مناقشات داخل الادارة في الأسابيع الأخيرة حول عملية عسكرية إسرائيلية محتملة في رفح، وكانت خلاصة الأمر أن إدارة بايدن لا يمكنها السماح بحدوث ذلك، لأنها تعتقد أن إسرائيل غير قادرة على تنفيذ خطة إخلاء للفلسطينيين من رفح بطريقة تمنع قتل أعداد كبيرة من المدنيين. ولم يُتخذ أي قرار بشأن كيفية رد الولايات المتحدة على العملية الاسرائيلية في رفح، لكن اثنين من المسؤولين الأميركيين قالا لـ”أكسيوس”، إن أحد “الخيارات التي تمت مناقشتها داخلياً بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون هو فرض قيود على استخدام الأسلحة الهجومية أميركية الصنع من الجيش الاسرائيلي في غزة”. وقال مسؤول أميركي ثالث إن “من المحتمل أن تؤدي العملية الاسرائيلية في رفح إلى سماح الولايات المتحدة بإصدار قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.”

ووسط هذا الكباش أو التحدي بين الولايات المتحدة والاحتلال، يبقى الفلسطيني هو الضحية. والسؤال الأهم إذا كان بايدن لا يستطيع وقف إطلاق النار فكيف سيحقق حل الدولتين كما وعد؟ وهذا يؤكد أنه لم يستخدم نفوذه الكبير حتى الآن أو أنه لا يريد ذلك. ولكن ما نريده أو نتمناه هو أن تتحول إسرائيل إلى عبء حقيقي على الولايات المتحدة، عبء أخلاقي واقتصادي وسياسي وعسكري، وتتركها لمصيرها في مواجهة الفلسطينيين، وهنا سيكون الاختبار الحقيقي لبقاء دولة ما كانت لولا الدعم الغربي اللامحدود منذ ما قبل النكبة.

شارك المقال