هل طرح إسم جورج خوري فخ أو خيار ثالث؟

جورج حايك
جورج حايك

وسط تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، تبرز كل فترة أسماء مرشحين، يخطفون الأضواء خلال مرحلة معيّنة، ليعودوا إلى الظل، ويتبيّن أن اسماءهم طُرحت للمناورة أو لهدف سياسي معيّن، وأبرز هذه الأسماء كانت في الأمس اللواء الياس البيسري واليوم العميد جورج خوري، فيما الحقيقة أن هناك فريقاً سياسياً يتمثل في الثنائي الشيعي لا يريد سوى انتخاب مرشّحه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، والناطق الرسمي بإسم هذا الثنائي هو رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يجيد لعبة المناورات وإستخدام الأسماء، وكم من إسم أحرق في بازار الاستحقاق الرئاسي المعلّق حتى إشعار آخر.

من المؤكّد أن كل شخصية مارونية تتعاطى الشأن العام هي اليوم قابلة للترشّح إلى رئاسة الجمهورية، لكن الظروف ليست مؤاتية لكل هذه الشخصيات بل ان أسهم البعض أكثر ارتفاعاً من البعض الآخر، ولا تزال أسماء قائد الجيش العماد جوزيف عون وفرنجية والوزير السابق جهاد أزعور الأكثر تداولاً، مع ذلك، تُطرح من حين إلى آخر أسماء كالعميد خوري.

لكن من هو العميد خوري؟ الجواب: إنه الرئيس السابق لفرع مخابرات الجيش في جبل لبنان في عهد الرئيس إميل لحود وكانت له علاقات طيبة مع نظام الوصاية السوري، إلا أنه أصبح لاحقاً مديراً لمخابرات الجيش، وكان مقرباً من قائد الجيش وقتها العماد ميشال سليمان، وإثر أحداث مار مخايل كان وحيداً الى جانب سليمان في زيارته الى الضاحية ولقائه الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله. لذلك، اعتبرت علاقته بالممانعة جيدة أيضاً. وتكررت لقاءاته في تلك المرحلة مع مسؤولي “حزب الله” بواسطة المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

واللافت أن خوري يُعتبر رجل الأحلام الخائبة، فبعد 7 أيار 2008 طُرح جدياً إسمه لتولي قيادة الجيش، معوّلاً على صداقته مع سليمان وعلى قربه من قوى “8 آذار”، إلا أنه سرعان ما خاب أمله. وفي العام 2011 وُعِدَ بوزارة الداخلية، فخاب أمله مجدداً، وأسندت اليه مهمة أخرى هي سفير لبنان في الفاتيكان. والخيبة الأخيرة كانت عام 2016، عندما طرحت بكركي إسمه في الانتخابات الرئاسية التي سبقت وصول العماد ميشال عون، ولم يُوفّق!

ولا شك في أن المهمات التي تسلّمها خوري في السلكين العسكري والديبلوماسي نسجت له شبكة علاقات سياسية مهمة، فهو يحتل مكانة مهمة لدى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ويعتبره أحد المرشحين الرئيسيين، واكتسب ثقة الكرسي الرسولي في الفاتيكان، وهو ليس بعيداً عن محور “الممانعة” و”حزب الله”، ويتمتع بعلاقة وطيدة مع المسؤول الأمني للرئيس بري محمد البعلبكي الذي عمل على تسويقه لديه الى رئاسة الجمهورية. وكشف نائب شمالي منذ فترة غير طويلة أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لم يخفِ أمامه قوله، ان الرئيس بري أبلغه رغبته في تزكية العميد خوري الى رئاسة الجمهورية وذلك في حال تم التراجع عن ترشيح فرنجية!

في موازاة ذلك، لا يبدو خوري بعيداً عن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، بحيث يحرص على زيارته على الدوام، ويقدم له كل ما يلزم من ضمانات وتنازلات، على الرغم من أن باسيل أكد أنه يفضّل اللواء الياس البيسري. كما تربط بين خوري والنائب جميل السيد علاقة قديمة في السلك العسكري.

أما في الكواليس، فلا يُعتبر إسم جورج خوري جذاباً للمعارضة بمكوّناتها السيادية، لأن اسمه ارتبط في مرحلة الوصاية السورية باضطهاد مناصري الأحزاب السيادية المسيحية، على الرغم من استعداده مراراً وتكراراً للقاء قادتها، متوخياً التعامل معهم من دون ذاكرة أو كأنه فتح صفحة بيضاء من دون ماضٍ.

لكن المسألة أبعد من علاقات شخصية وسياسية عادية، فهذه شيء والتعامل معه كمرشّح رئاسي شيء آخر، وخصوصاً أن من طرحه مؤخراً في توقيت مريب هو الرئيس بري. وتشير المعلومات التي توافرت لنا من مرجع مسؤول في المعارضة اللبنانية إلى أن “بري قصد أن يطرح اسم خوري بعدما أحرجته مبادرة كتلة الاعتدال وأثبتت أنه المعطّل، فأراد حرف الأنظار برمي هذه القنبلة الدخانية، لأن المبادرة ركّزت في شقها الأول على التداعي للتشاور، فاستبدلها بري بطرحه مجدداً طاولة الحوار الفولكلورية بدعوة موجّهة من أمانة مجلس النواب، علماً أن المعارضة رفضت منذ بداية الاستحقاق الرئاسي مثل هذه الجلسات الحوارية غير الدستورية. أما في شقّها الثاني فدعت المبادرة إلى جلسات مفتوحة بدورات متتالية، فأنكر بري التزامه وتعهداته لكتلة الاعتدال موجّهاً إليها ضربات زعزعتها، متحايلاً لإدخال تعديلات جينيّة عليها، من دون أن يفلح في ذلك”.

ويرى المسؤول المعارض أن بري أراد أن يبعث برسالتين: الأولى إلى اللجنة الخماسية بأنه يبحث عن أسماء، وهو في الحقيقة لا يفعل ذلك، بل يضيّع جهود مبادرة “الاعتدال” وكل جهود مستقبلية للجنة الخماسية، وخصوصاً أن رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد كان واضحاً خلال لقائه وفد كتلة “الاعتدال” بأن “الحزب” لا يريد رئيساً إلا سليمان فرنجية أو البحث عن إسم آخر كالرئيس السابق إميل لحود، وعملية التعطيل مستمرة. أما الرسالة الثانية من بري فيهدف منها الى إبعاد تهمة التعطيل عنه وتحميلها لمن يرفض إسم خوري.

من الواضح أن المعارضة أدركت الفخ الذي ينصبه بري من خلال طرح إسم خوري، وأصرّت على عدم الدخول في لعبة الأسماء، فلا تبدي أي رأي بخوري أو البيسري، لأن المرشح الوحيد والحقيقي لبري و”الحزب” لم يتغيّر وهو فرنجية. في المقابل، اشتراط المعارضة تخلي الثنائي الشيعي عن ترشيح فرنجية قبل الانتقال للبحث في أي إسم آخر كانت “ضربة معلّم”، لذلك يبدو أن النقاش هو لتقطيع الوقت لا أكثر ولا أقل.

وتلفت شخصية اعلامية مطلعة على تحركات اللجنة الخماسية إلى أنها مدركة لمناورات الفريق المعطِّل للانتخابات الرئاسية، وقد ردّت على ذلك بدعمها لمبادرة “الاعتدال” لإفهام مَن يعرقلها بأنّه يضع نفسه في مواجهة مع “الخماسيّة”، وأنّ تبنيها لهذه المبادرة هي خطوة تصعيدية في مسار تصاعدي لن تقف عند حدود إعادة التلويح بالعقوبات.

لن تتخلّى “الخماسية” عن سعيها إلى رئيس من الخيار الثالث يتقاطع محليّاً مع تحرُّك “الاعتدال” سعياً إلى تزكية هذا الخيار، وهذا ما جعل الممانعة تتشدّد في موقفها الرافض جلسة مفتوحة بدورات متتالية، لأنّ أيّ دعوة الى جلسة من هذا القبيل تعني خسارة مرشح الممانعة وفوز مرشح الخيار الثالث السيادي والاصلاحي، علماً أن العماد عون لا يزال الاسم الأول والأكثر حظاً كخيار ثالث.

شارك المقال