كمال جنبلاط الحاضر دائماً وأبداً

صلاح تقي الدين

سبعة وأربعون عاماً مضت على ذلك اليوم الذي “أصابت فيه رصاصات الغدر” الزعيم الوطني الكبير المعلم الشهيد كمال جنبلاط وأردته، معلنة بدء مرحلة من التصفيات الجسدية بهدف واحد: تحطيم بنيان الدولة الديموقراطية العربية الوحيدة وعدم منحها إمكان التقدم والرقي وتحقيق إصلاحات كان الشهيد جنبلاط أول من ذكرها في برنامج متكامل.

لم تكن جريمة اغتيال المعلم منفصلة عن المخطط الاجرامي العام المرسوم للمنطقة لا من حيث المكان ولا الزمان، فاختيار “كوع” بين بلدتي بعقلين الدرزية ودير دوريت المسيحية لتنفيذ الجريمة كان يهدف إلى إثارة فتنة طائفية بدأت تلوح معالمها بقتل مواطنين أبرياء من الطوائف المسيحية في الجبل، عمل نجل الشهيد الكبير الزعيم وليد جنبلاط برفقة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز المرحوم الشيخ محمد أبو شقرا منذ اللحظة الأولى للاغتيال على محاولة تطويقها، بالتجوال شخصياً على القرى المسيحية داعياً المحازبين الدروز إلى التوقف عن قتل الأبرياء الذين لا علاقة لهم بما جرى، وكان ذلك المؤشر الأول على “فراسة” وليد جنبلاط التي أثبتت السنوات اللاحقة حقيقتها.

أما من حيث الزمان، فقد كانت الظروف التي أعقبت دخول الجيش السوري إلى لبنان بتغطية عربية ودولية مؤشراً على أن المطلوب كان إخضاع لبنان و”ديموقراطيته” الهشة، إلى نمط التفكير السائد ضمن “السجن العربي الكبير” ومنع الدولة من التحكم بمفاصل القرارات السيادية الخاصة بها، وقد تجسّد ذلك من خلال سلسلة الاغتيالات اللاحقة من الصحافي سليم اللوزي إلى نقيب الصحافة رياض طه والشيخ صبحي الصالح وما بين هذه الجرائم وما بعدها.

لا يمكن إغفال مرحلة الاجتياح الاسرائيلي للبنان وغايته استئصال المقاومة الفلسطينية التي كان الشهيد المعلم أحد أكبر داعميها المحليين والاقليميين فلا عجب أن يوصف بأنه كان شهيد القضية الفلسطينية التي يبدو أن ما جرى في العام 1982 يتم استكماله اليوم، وها هي القضية تترنح بعد فقدانها معظمم الغطاء العربي وأصبح العالم يتحدث عن مأساة “الفلسطينيين” في غزة ولا يتم البحث في حقيقة الأزمة وهي “القضية”.

كثيرة هي القامات السياسية والفكرية اللبنانية التي سقطت بعد كمال جنبلاط، غير أن قامته دون غيرها كانت الباقية ولا تزال، فقد أسس المعلم الشهيد لمدرسة سياسية وإنسانية خرّجت أجيالاً ولا تزال، ولعل في كل مرة يبحث في الاصلاحات تتم الاشارة بأصابع اليدين العشرة إلى البرنامج المرحلي للاصلاح الذي رفعته الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط والذي كان ليقي لبنان من كل المآسي التي مرّ بها، وكان “صالحاً جداً” في تلك المرحلة كما يبدو صالحاً اليوم بحيث تتم الاستعانة بمعظم البنود الاصلاحية التي وردت فيه للتعبير عن الحاجة إلى تعديل ما هو معمول به وتسبب في الكثير من المشكلات والأزمات التي يمر بها لبنان.

لكن المؤامرة المستمرة لتفكيك بنيان الدولة والمؤسسات في لبنان استكملت مع وصول الرئيس السابق اميل لحود إلى السلطة واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ما دفع جيش الوصاية السوري إلى الخروج من لبنان وانتشار مقولة أن الجيش السوري دخل على دم كمال جنبلاط وخرج على دم رفيق الحريري. وكانت هذه الفرصة الوحيدة التي لاحت في الأفق لكي يعاد استكمال برنامج إعادة بناء الدولة وإجراء الاصلاحات المطلوبة، غير أن الداخل المتقاسم للحصص والمغانم السلطوية أفشل كل المحاولات الجادة لاحداث التغيير المطلوب، وزاد الطين بلة وصول الرئيس السابق ميشال عون إلى السلطة تحت غطاء “السلاح غير الشرعي” لتغطية “الفساد” الذي أجهز على كل ما تبقى من بنيان للدولة وكيانها.

لكن ومع كل هذا “الهريان” الذي أصاب الجمهورية اللبنانية، إلا أن مدرسة كمال جنبلاط لا تزال مستمرة وبنيانها القوي يتجدّد مع كل جيل من وليد جنبلاط إلى تيمور جنبلاط، والبرنامج المرحلي للاصلاح يبدو أنه الحل الوحيد لاخراج لبنان من قوقعته وأزماته، وكأني بالشاعر الياس أبو شبكة ينشد أمام تمثال فوزي معلوف: “لَرُبَّ حَيٍّ غدا في قَومِهِ حَجَرًا.. ورُبَّ مَيتٍ غدا حَيًّا به الحَجَـرُ”.

“كمال جنبلاط حي فينا وسينتصر” شعار يرفعه الحزب “التقدمي الاشتراكي” الذي أسسه كمال جنبلاط في كل مناسبة تتعلق باغتياله أو ولادته، لكن كمال جنبلاط حي حقاً وحاضر دائماً وأبداً.

شارك المقال