مصالح مشتركة تجنّب اندلاع حرب شاملة

زياد سامي عيتاني

منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، عندما أعلن “حزب الله” تحول حدود لبنان مع الكيان الصهيوني إلى “جبهة مشاغلة” كان كل من الحزب والجيش الاسرائيلي يترقب تصعيد أي شكل من أشكال الهجمات، على نحو يدفع الجانب الآخر إلى الرد على هذا التصعيد، من دون خرق قواعد الاشتباك وتجاوز خطوطها الحمر. إذ بدا من التطورات الميدانية أن الجيش الاسرائيلي يتجنب حرباً شاملة مع الحزب، قبل حسم الموقف العسكري في حربه الاجرامية على غزة، كي لا تستنزف قدراته العسكرية، فيعجز عن الحسم العسكري لكلتي الجبهتين. وبعد أن سيطر الجيش على معظم شمالي غزة وبدأ معركة جنوبها، بدأت إسرائيل في منتصف كانون الأول الماضي، بمهاجمة الحزب في جنوبي لبنان، متجاوزة حدود الرد على الهجمات التي يشنها، وبلغت رقعة توسعها أن وصلت إلى مدينة بعلبك.

ومنذ ذلك الوقت، بات يمكن رصد تحرك الصراع بوتيرة أسرع على نحو أصبح من الصعب حتى تتبعه، خصوصاً مع التصعيد المضاد من جانب “حزب الله” في زيادة شن هجمات باستخدام طائرات مسيّرة إلى جانب هجمات صاروخية منتظمة. وفي ضوء هذا التصعيد، أعلن الطرفان تحقيق الكثير من أهدافهما. فإسرائيل إدعت أن “حزب الله” نفذ “تراجعاً تكتيكياً”، من خلال انسحاب ما بين 50 في المئة إلى 75 في المئة من المقاتلين تجنباً لمقتلهم، مع العزوف أيضاً عن أي تصعيد حقيقي في الهجمات على إسرائيل، وذلك بعد تدمير نحو 100 في المئة من نقاط المراقبة التابعة للحزب على الحدود، وفق تصريحات الجيش.

في المقابل، استطاع “حزب الله” مواصلة إطلاق الصواريخ على إسرائيل لمدة زادت عن خمسة أشهر، مستهدفاً تجمعات وأبراج مراقبة عسكرية بحُرية و”إنسيابية”، ودفع ما يزيد على 80 ألف إسرائيلي إلى إخلاء الشمال على الحدود مع لبنان، ولا يزال أكثر من 50 ألفاً بانتظار إجلائهم بعد خمسة أشهر من القتال. إذ أراد “حزب الله” أن يستعرض قوته في المنطقة كلاعب أساسي لا يمكن تجاوزه أو تجاهله، تحت شعار “وحدة الساحات”، وأنه قادر على “استنزاف” إسرائيل، وبالتالي إبقائها في حالة دائمة من القلق والترقب، بفعل سياسة “الغموض” التي يمارسها، ما أفقد الجانب الاسرائيلي القدرة على القيام بأي مبادرة أو محاولة لإعادة تشكيل الحدود الشمالية بطريقة من شأنها أن توفر الأمن لمن تبقى من المستوطنين.

وعلى الرغم من تهديدات الطرفين بالاستعداد للحرب الشاملة، تبعاً لتصاعد التطورات الميدانية، فإن الطرفين حتى عندما يصعّدان الميدان لتوجيه رسائل سياسية، يحرصان على أن تبقى العمليات العسكرية مضبوطة بطريقة مدروسة ومحسوبة أكثر مما تبدو عليه الأمور. وهذا ما يفسره المحللون، بأن لا قرار ولا غطاء دولي وإقليمي بتفلت الأمور الى حرب واسعة بين إسرائيل و”حزب الله”، مشيرين إلى حرص الطرفين على مصالح مشتركة تكمن في “تجنب اندلاع حرب شاملة”، وهو أمر لم يتغير منذ تشرين الأول وحتى الآن.

شارك المقال