تهمة التعامل مع اسرائيل من النظام السوري إلى “الحزب”!

جورج حايك
جورج حايك

ليست قصة الباحث مكرم رباح مع “حزب الله” والقضاء العسكري الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة في ظل هيمنة “الحزب” على الدولة اللبنانية، فمسألة التعامل أو التخابر مع اسرائيل، غالباً ما كانت تهمة جاهزة ومعلبّة، جديدة قديمة، استخدمها النظام السوري عشرات الأعوام ضد معارضيه سواء في سوريا أو لبنان، ووضع مئات الناشطين في السجون لإسكاتهم ملفّقاً ضدهم هذا الإتهام المرتكز على نظرية التخوين، بمجرد أنهم انتقدوه، فيُخرج لهم ملف التعامل مع اسرائيل، ناسجاً سيناريو من مخيلته! وها هو “الحزب” يسير على درب ربيبه “السوري”، مستخدماً الوسائل نفسها، إلا أنها Deja Vue.

واللافت أن قبل اتهام رباح بالتخابر مع اسرائيل، وقع الممثل المسرحي زياد عيتاني، ولو في سياق آخر، ضحية واحدة من أكبر الفضائح الأمنية والقضائية والاعلامية في لبنان، أبطالها ضباط وعناصر في جهازي الأمن الداخلي وأمن الدولة، فبركوا لعيتاني ملف “العمالة لإسرائيل” وأجبروه تحت التعذيب على الاعتراف بها، وذلك بدوافع شخصية وسياسية، وبمساعدة وسائل إعلامية اعتمدت على تسريبات تلك الأجهزة، وروايتها حصراً في متابعتها للقضية.

وطال هذا الاتهام الجاهز والمعلّب أيضاً الناشطة كيندا الخطيب فاعتقلتها السلطات معتبرة أنها زارت اسرائيل، علماً أن كيندا من معارضي “حزب الله” على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يقلّص من فرضية كونها تتعاطى الجاسوسية، فالجواسيس غالباً ما يتصرفون كأهل البيت، ويتفادون لفت الأنظار إلى آرائهم. وكيندا من قضاء عكاّر شمال البلاد، الذي يبعد كثيراً عن “حزب الله” والعاصمة والجنوب وأي ما يمكن أن يفيد إسرائيل.

وشمل تخوين “الممانعة” الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف في العام 2016، اثر مقابلة له مع تلفزيون إسرائيلي، بمناسبة صدور كتابه “كرسي على السين”، الذي يعرض فيه طبائع من سبقوه على المقعد رقم 29 للأكاديمية الفرنسية، أمثال مونتسكيو وكورني وأرنست رينان وكلود ليفي ستراوس.

حينها انطلقت بعض الأبواق، في حملة تهجّم وشتائم وتخوين شرسة على معلوف، لأنه “تجرأ” وأجرى حواراً ضمن برنامج ثقافي على احدى القنوات الاسرائيلية. اعتبروا ذلك “تطبيعاً مع العدو الصهيوني”، واتهموه بالعمالة لإسرائيل، ولو كان مقيماً في لبنان، لا فرنسا، لاستدعاه القضاء العسكري واعتقله.

لكن يبدو أن باروميتر الاتهام بالتخوين والعمالة، يعلو وينخفض بحسب حاجات التعمية على ما يجري في الخفاء. هدفه الدائم تخوين كل من هو وطني وسيادي ومحاربته.

ويوضح المحامي شربل شواح أن القانون اللبناني يعتبر الكيان الاسرائيلي عدواً للبنان بالمعنى القانوني للكلمة الواردة في القوانين الواجبة التطبيق، وتعتبر الدولة اللبنانية بقوانينها النافذة واتفاقية الهدنة والمواثيق العربية والدولية الملتزمة بها ومواقفها الدائمة في المنظّمات والهيئات الاقليمية والدولية وأمام مجلس الأمن الدولي أنّ جميع صور وأشكال التعاون مع العدوّ الاسرائيلي هي أعمال غير مشروعة وتستحقّ أشدّ العقوبات وفق أحكام قانون العقوبات العام والعسكري وقانون مقاطعة إسرائيل.

ويضيف: “ان قانون العقوبات يُعاقب كل من تعامل مع العدو أثناء الحرب أو خارجها، وليس التخابر والتعامل وحسب، إنما مساعدة العدو في إقامة الحرب، ويشمل ذلك التعامل التجاري مع اسرائيل أي استيراد البضائع الاسرائيلية، أو حتى التقاط الصور مع أي اسرائيلي أو اسرائيلية، إلا أن ذلك يتوقّف على قصد المواطن اللبناني، فإذا حصل ذلك عن عدم معرفة بأنه اسرائيلي أي عن غير قصد لا تجوز معاقبته، اما اذا كان عن قصد فهذا، وفق قانون العقوبات، يستحق الادانة جزائياً”.

عملياً بات كل ما له علاقة بالتعامل مع اسرائيل، وفق المحامي شواح، من اختصاص المحكمة العسكرية لأنه يعتبر أمراً له طابع أمني، “لكن نحن نعرف كمحامين أن هذه المحكمة تنظر في هذه المواضيع ليس بحسب القوانين المرعية الإجراء وحق الدفاع، وهذا مؤسف على صعيد حقوق الإنسان”.

لكن هنا لا بد من طرح أسئلة عديدة: ما هي العمالة؟ وكيف نعرّفها؟ هل ان اتخاذ موقف علني معارض خيانة؟ أم أن مجرد إدارة حوار أو نقاش هو عمالة؟ ماذا نسمّي إذاً حصار الممانعة للمخيمات وقتال الفلسطينيين في الثمانينيات أو قتلهم وتهجيرهم في مخيم اليرموك من النظام السوري؟ أليس تجسيداً للعمالة والتخوين؟ وبالمناسبة ماذا نسمّي التعامل مع المبعوث الأميركي، اليهودي – الاسرائيلي، آموس هوكشتاين واعتراف “الحزب” بالحدود البحرية مع اسرائيل، والآن ينتظرون قدومه بفارغ الصبر، لاستكمال ترسيم الحدود البرية؟

أما حرب المساندة مع غزة التي افتتحها “حزب الله، غصباً عن أكثر من نصف الشعب اللبناني، المتعاطف مع غزة، لكن غير المؤيد لخراب لبنان، أو للتسبب بعشرات آلاف الضحايا وتهجير السكان وهدم منازلهم، في زمن انهيار الدولة وافقار الشعب وغياب أي من مقومات الصمود، ألا يجب معاقبة مسؤولي “الحزب” وفق نص المادة 288 من قانون العقوبات اللبناني: “يعاقب بالاعتقال المؤقت من خرق التدابير التي اتخذتها الدولة للمحافظة على حيادها في الحرب”. فالأمين العام لـ”الحزب” حسن نصر الله يصرخ ليل نهار مهدداً إسرائيل بالحرب والدمار، والقضاء لا يرى في ذلك خرقاً لتدابير حياد لبنان. العدالة لا يمكنها أن تكون مجتزأة، إما شاملة، أو لا تكون.

من جهته، يؤكّد المحامي شواح أن “لا فرق بين حزب الله والنظام السوري، بل ان الأول هو تلميذ الثاني، وينفّذ سياسة كم الأفواه ذاتها، علماً أن النظام السوري لم يكن يقتل معارضيه إنما يعتقلهم ويخفيهم، أما الحزب فيصفّي خصومه ويهدر دم معارضيه بحجة أنهم عملاء”.

ويلفت إلى أن “مكرم رباح ليس المعارض الشيعي الأول، فقد اضطهدوا الناشط لقمان سليم سابقاً واتهموه بالعمالة حتى استشهاده، والله يحمي مكرم وكل الشباب التي تعمل في السياسة اليوم لأنها صارت مكلفة، وخصوصاً أن الخصم لا يتعاطى السياسة فقط بل الأمن أيضاً”.

على الرغم مما حصل مع رباح وسيحصل مع ناشطين، يرى شواح أن “المقاومة السلمية لن تتوقّف، فنحن كمحامين والعديد من الناشطين الحزبيين السياديين كانت لنا وقفات تضامنية ضد المحكمة العسكرية ونصرّ على الغائها لأنها لا تراعي الحد الأدنى من حقوق الدفاع والتقاضي السليم، بل تتعارض مع الكثير من بنود شرعة حقوق الإنسان. وإذا كان لا بد من استمرار هذه المحكمة فيجب حصرها بالعسكريين والاجراءات المسلكيّة الادارية، لكن لا يجوز أن تمتد يدها إلى كل ما يتعلّق بالحريات العامة وابداء الرأي السياسي أو أي أمور أخرى لها علاقة بالحياة المدنية والاجتماعية والسياسية”.

المضحك المبكي أن هؤلاء الذين يعتبرهم “الحزب” عملاء لاسرائيل هم صحافيون وكتاب وأصحاب رأي جلّ نشاطهم الكتابة والتحليل، أي ممارسة التعبير عن الرأي! لكن هؤلاء يعبّرون بالفعل عن مزاج أكثرية الشعب اللبناني الرافض لمشروع “الحزب”، وهذا يعني أن أكثر من نصف الشعب اللبناني بسياسييه ومثقفيه وثواره متعامل مع اسرائيل بنظر “الحزب” الذي يبدو على عادته يبرع في تطبيق دروس الزعيم النازي أدولف هتلر حول الحرب النفسية، ويخوّن هؤلاء لخلق جو من عدم الثقة والكراهية تجاههم، وبهدف إفقادهم القدرة على الحراك والتصرف والتعبير. فيما بيئة “الحزب” الحاضنة له، تعجّ بالعملاء والجواسيس، لكن لا تزعجه سوى بعض الأقلام المناهضة في الصحف والمواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المحللين الذين ينتقدونه بموضوعية لأنهم خائفون على لبنان الدولة والوطن نتيجة مغامرات “الحزب” التدميريّة التي لا نهاية لها!

شارك المقال