باسيل المهمّش والمهشم (2)… الحزب والتيار بين زواج الإكراه والطلاق البيّن

زياد سامي عيتاني

طافت على سطح المشهد السياسي منذ إنتهاء ولاية ميشال عون الرئاسية الخلافات والتباينات الجذرية والعميقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، وبلغت ذروتها عندما أقدم الحزب على توتير جبهة الجنوب، “لمشاغلة” العدو الاسرائيلي عن حرب إبادته الاجرامية على غزة. وكان “التيار الوطني الحر” إستفاد بصورة كبيرة من تحالف “مار مخايل” الذي أبرمه مع “حزب الله” في العام 2000، من خلال وصول ميشال عون إلى قصر بعبدا، ما مكن التيار من فرض نفسه في المعادلة اللبنانية. في المقابل، فإن “حزب الله” نجح بدوره في تجيير تلك الشراكة لصالحه، بحيث منحه ذلك غطاءً سياسياً مسيحياً، في مواجهة معارضيه.

مع تصاعد المواجهات بين “حزب الله” والاحتلال الاسرائيلي في جنوب لبنان، أبدى “التيار الوطني الحر” تبايناً واضحاً مع قرار الحزب في المواجهة، ليضاف إلى الخلافات المتراكمة بين الجانبين. وقد أثارت مواقف الحزب غضب التيار الذي أعلن بصورة ضمنية وعبر مؤسسه ميشال عون عن انتهاء إتفاق “مار مخايل”، مهاجماً سياسات الحزب، لا سيما مبدأ الساحات المفتوحة. بدوره، إتهم رئيس التيار جبران باسيل الحزب بأنه “لم يعد يسير معنا بالشراكة، ابتعدنا”، وقال: “إن عدتم عدنا” في إشارة إلى التحالف مع الحزب. وأكد أن “التفاهم (الموقع) مع حزب الله كان لاحترام الشراكة والمناصفة والديموقراطية التوافقية، ما سمح لنا بأن نصحّح التمثيل السياسي والاداري، ولمّا رجع الحزب عن التزامه بالشراكة، لم نتردد في القول له (لا)”.

ولا بد من التذكير في هذا السياق بأن الحزب كان قد امتنع عن دعم باسيل في ترشحه لرئاسة الجمهورية، متمسكاً بالوزير السابق سليمان فرنجية مرشحاً للرئاسة، والذي تربطه بالحزب قناعات مشتركة لا مجرد مصالح كما هو الحال مع باسيل.

إذاً، التفاهم في حقيقته قام على مصالح متبادلة بين الجانبين، لكن التيار في ظل تقويض مصالحه مؤخراً بات يطالب بإعادة مراجعة بنوده وصيغته، خصوصاً أنه أفقده الكثير من شعبيته داخل الشارع المسيحي وكلفه الكثير على المستوى الخارجي. فحين وقع التيار اتفاقه مع الحزب كان يمثل الكتلة المسيحية الكبرى في مجلس النواب، لكنه في الانتخابات الأخيرة عام 2022 حصل على 18 نائباً فقط، أي 28% من النواب المسيحيين، وهذا تراجع كبير في شعبية التيار بين مسيحيي لبنان.

وسبق للجانبين أن حاولا معالجة الخلافات بينهما قبل عملية “طوفان الأقصى” والحرب الاسرائيلية على غزة، وذلك عبر تشكيل لجنة حوارية تبحث في النقاط العالقة بين الجانبين، لكن اشتعال جبهة الجنوب أجج الخلافات بين الجانبين من جديد لتصل العلاقة بينهما إلى مرحلة حرجة. وكان باسيل يأمل في أن يفضي تصعيده إلى دفع “حزب الله” الى مراجعة الذات والعودة إلى الشراكة بينهما، لكن الحزب قابل كل ذلك بتجاهل، ولم يعمد إلى أي خطوة أو يصدر موقفاً يعيد جسر الود.

موقف “حزب الله” أشعر باسيل بالخطر لذلك عاد إلى مهادنة الحزب مجدداً، ما دفعه إلى أن يغرد على حسابه على منصة “إكس”، في 15 آذار الجاري، مؤكداً أن “وثيقة التفاهم لا تسقط وتبقى صالحة بأفكارها، لكنها بحاجة الى تطوير وهذا ما لم يحصل بعد”. لكنه عاد ليؤكد حساسية الموقف بأن من خرج عن التفاهم هو “حزب الله” بتخليه عن “بناء الدولة، وبعدها عن الشراكة، وأخيراً تخطى سقف حماية لبنان”.

بعدما بلغت العلاقة بين الحزب والتيار مرحلة حساسة من التأزم والشرخ، فإن المراقبين يستبعدون وصولها إلى “الطلاق البين”، نظراً الى حاجة كل منهما الماسة للآخر في ظل كثرة خصومهما، لذلك فهي محكومة بأن تبقى إلى حين قائمة على “الزواج بالإكراه”.

اقرأ الجزء الأول:

شارك المقال