زيارة أمنية بأبعاد سياسية (1)… صفا يقفل ملف المعتقلين لفتح علاقة دائمة؟

زياد سامي عيتاني

منذ العام 2012، أوقفت السلطات في دولة الامارات العربية المتحدة مجموعة من اللبنانيين بتهم متعددة، واعتقلتهم في سجن الوثبة الاماراتي، بعد إدانتهم بالتعامل والتخابر لصالح “حزب الله” وإيران، إلى جانب اتهامات بتبييض الأموال لصالح إيران، وتمويل الحزب والتخطيط للقيام بأعمال إرهابية ومراقبة المطارات والثكنات العسكرية. وكانت المحكمة الاتحادية في الامارات قد أصدرت في أيار 2019 الحُكم عليهم في ظروف سرية ومغلقة، ومنهم 3 أشخاص حكموا بالسجن لفترات طويلة، و2 بالسجن لعشرة أعوام وشخص واحد حُكم بالمؤبد.

لكن الامارات عادت وأفرجت، في حزيران من العام نفسه عن 3 لبنانيين كانوا من ضمن الموقوفين، قبل أن يجري ترحيلهم إلى لبنان. بعدها قاد المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في شباط عام 2021 مفاوضات أسفرت عن إطلاق سراح ثمانية من اللبنانيين المحتجزين، في حين أفرجت الامارات في أيار 2023 عن 10 لبنانيين آخرين، عقب وفاة أحد المعتقلين.

وفي شهر تشرين الثاني الماضي، عاد ملف المعتقلين اللبنانيين في الامارات إلى الواجهة مجدداً، عندما كشفت مصادر في وزارة الخارجية اللبنانية “أن السلطات في دولة الامارات العربية المتحدة أوقفت 12 لبنانياً من المقيمين في الامارات، من دون أن تُوضح الأسباب، ومن دون أن تصدر بحقهم أحكامٌ قضائية”. غير أنه أعلن وبصورة مفاجئة، عن زيارة رئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا إلى دولة الامارات، بعد أن سبقه إليها رئيس جهاز المخابرات العامة السورية اللواء حسام لوقا، لخوض مباحثات مع مستشار الأمن القومي الاماراتي طحنون بن زايد ومدير المخابرات الاماراتية علي الشامسي، بشأن إقفال ملف الموقوفين اللبنانيين في الامارات، الذين يدورون في فلك “حزب الله”.

وتوقيت الزيارة لا يقل مفاجأة عن الزيارة نفسها، إذ أتت في ذورة حرب الابادة الإجرامية التي يشنها العدو الاسرائيلي على عزة، وسط التهديد بإحتلال رفح، مع تصاعد المواجهات التي تشهدها الحدود اللبنانية الاسرائيلية، والشلل المخيم على السلطة في لبنان جراء إستمرار الفراغ الرئاسي، بفعل الأزمة السياسية البنيوية التي يعيشها. وتعكس زيارة صفا بجهود وترتيبات سورية، تطوراً جديداً في المسارات الخارجية لدولة الامارات، منذ الإنفتاح على إيران ودمشق، وحالياً على “حزب الله”، على الرغم من تصنيف الحزب بأنه تنظيم إرهابي تتهمه الامارات بزعزعة أمن الخليج العربي، في حين اتهمها الحزب سابقاً بأنها “وكر الصهاينة”.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل زيارة صفا “الحدث” (التي تعني انتهاء الدور الديبلوماسي الذي كان يلعبه سابقاً اللواء إبراهيم) ستقتصر مباحثاتها حصراً على إقفال ملف المعتقلين، أم أنها ستشمل قضايا سياسية تتعلق بملفات داخلية وإقليمية؟ تؤكد المصادر أن صفا يحرص خلال زيارته على تأسيس علاقة سياسية مبنية على الثقة المتبادلة مع أبو ظبي، وبالتالي تبديد هواجسها عبر إعطاء ضمانات بعدم إنشاء أي خلايا أو تنشيط أي عمل أمني في الامارات. كما توضح المصادر أن صفا ناقش مع المسؤولين الأمنيين في الامارات ملف الحرب الدائرة في قطاع غزة وجنوبي لبنان وسبل وقفها، والدور الذي من الممكن أن تلعبه الامارات في لبنان وغزة بعد الحرب، إضافة إلى ملف ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.

وإستفاد صفا خلال زيارته من حالة الانفتاح الحاصلة بين دول الخليج وايران والتي ستنعكس على لبنان وسوريا، ما يعني أنه سيجري التطرق الى الملف الرئاسي، وخصوصاً في ظل ما ظهر خلال الأيام الماضية عن رغبة الامارات في دعم وصول جورج خوري (مدير المخابرات اللبنانية السابق) إلى سدة الرئاسة، والدخول على خط نشاط اللجنة الخماسية، في حين يعتبر خوري القريب من أبو ظبي على علاقة متقدمة بسوريا و”حزب الله”.

هذا التطور المفاجئ، يحتاج الى مزيد من الوقت والانتظار والمتابعة، ريثما يتم تظهير نتائجه وحدودها، مع ضرورة التوقف بكثير من الحذر، عند غياب لبنان الرسمي عن المفاوضات، التي كان يتولاها اللواء إبراهيم قبل إنتهاء ولايته كمدير عام للأمن العام.

يتبع: الدور السوري في ترتيب الزيارة

شارك المقال