تقويم غوتيريش لتنفيذ الـ 1701: “إعلان بعبدا” وتحقيق الاستقرار السياسي

محمد شمس الدين

قدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش تقويماً لتنفيذ القرار 1701 في الفترة الممتدة من 21 تشرين الأول 2023 إلى 20 شباط 2024، وكان هذا التقرير محورياً في الاجتماع المغلق الذي عقد يوم الثلاثاء لأعضاء مجلس الأمن، وخلص فيه المجتمعون الى فكرة توسيع المنطقة العازلة بهدف حماية إسرائيل من الهجمات التي تتعرض لها من الجانب اللبناني، وكانت لافتة بعض نقاط التقرير المكون من 26 صفحة، وبحث في كل جوانب الحالة اللبنانية.

أشار التقرير الى أن الأمم المتحدة سجلت 8918 مقذوفاً أطلقت في الاتجاهين عبر الخط الأزرق، 7948 أطلقت من شمال الخط، مقابل 978 من جنوبه، معظم ما اكتشف منها ناجم عن مقذوفات أطلقتها المدفعية وقذائف الهاون، لافتاً الى أن رادارات “اليونيفيل” لا تستطيع اكتشاف بعض أنواع القذائف، مثل صواريخ جو-أرض، قذائف الدبابات أو الصواريخ المحمولة المضادة للدبابات أو تلك التي تطلق من أسلحة خفيفة.

ورصدت “اليونيفيل” صواريخ أُطلقت من شمال نهر الليطاني، وبالتالي من خارج منطقة عمليات البعثة في 2 و7 تشرين الثاني، و21 كانون الأول، و26 كانون الثاني، وتم اكتشاف 26 مساراً، مصدرها شمال شرق مدينة في القطاع الشرقي، و308 مقذوفات في 19 تشرين الثاني.

وذكر التقرير المناطق السكنية الأكثر تضرراً شمال الخط الأزرق في منطقة عمليات “اليونيفيل”، وشملت: علما الشعب، عيتا الشعب، عيترون، جبين، البازورية، بيت ليف، دير عميس، اللبونة، مجدل سلم، مروحين، الناقورة، شيحين، طير حرفا، يارين، زبقين (جميع القطاع الغربي)، البليدة، حولا، كفركلا، مركبا وميس الجبل (جميع القطاع الشرقي).

وعرض التقرير رسائل من القائم بالأعمال بالنيابة عن بعثة “اليونيفيل” إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة في 5 كانون الأول ذكر فيها أن إسرائيل “تستمر في انتهاك سيادة لبنان والاعتداء عليه من خلاله، في البر والبحر والجو”.

وأضاف: “نلاحظ أن هذه الأمور متكررة ومستمرة وأدت الهجمات الاسرائيلية إلى نزوح أكثر من 75 ألف مدني لبناني من منازلهم في المدن الجنوبية”.

وأشار التقرير إلى أن “حزب الله” حتى 20 شباط، كان قد أعلن عن مقتل 209 من أعضائه منذ 8 تشرين الأول، فيما أعلنت حركة “أمل” عن سقوط 11 قتيلاً، بينما تبنت حركتا “حماس” و “الجهاد الاسلامي” الفلسطينيتان نحو 25 هجوماً من قبلهما على طول الحدود.

وفي رسالة مؤرخة في 28 كانون الأول موجهة إلى رئيس مجلس الأمن صرح مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة بأن “الهجمات أدت بالفعل إلى مقتل 5 مدنيين و11 جندياً، وإصابة 41 مدنياً و127 جندياً”، واضطر “المدنيون الاسرائيليون إلى إخلاء منازلهم على طول الحدود الشمالية من أجل عيشهم وسلامتهم وما زالوا نازحين داخلياً، وبلغ عددهم حتى اليوم نحو 50 ألفاً”.

وذكر ممثل “اليونيفيل” في مجلس الأمن في رسالة في 9 كانون الثاني أن تنفيذ القرار 1701 ضمن حزمة متكاملة من الضمانات الدولية، “يمكن أن يحقق الأمن الدائم والاستقرار الشامل”.

ولفت التقرير إلى أن الجيش اللبناني لم يتورط في خروق وقف إطلاق النار أو الأعمال العدائية، على الرغم من تعرضه لإطلاق النار.

وأشار ممثل “اليونيفيل” لدى الأمم المتحدة الى أنه سجل “34 هجوماً إسرائيلياً على مواقع للجيش اللبناني”، بما في ذلك يوم 5 كانون الأول، “عندما أطلقت القوات الاسرائيلية أربع قذائف مباشرة على موقع للجيش اللبناني في الجنوب، ما أدى إلى تدمير الموقع ومقتل جندي لبناني وإصابة ثلاثة آخرين”.

وفي 27 تشرين الثاني تعرضت قافلة للجيش اللبناني للاعتداء، خلال قصف ادعى الجيش الاسرائيلي أنه يستهدف مسلحين في منطقة النبي يوشع، وقد تمكنت اتصالات “اليونيفيل” من وقف اطلاق النار واستطاعت القافلة اكمال طريقها.

وبصورة منفصلة، لاحظت “اليونيفيل” أفراداً يستخدمون برجي مراقبة تابعين للقوات المسلحة اللبنانية يقعان بالقرب من الخط الأزرق لإطلاق الصواريخ على إسرائيل.

وفي عدة مناسبات، نفذ أفراد هجمات ضد إسرائيل بالقرب من مواقع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، ما أدى إلى رد الجيش الاسرائيلي بإطلاق النار. واحتجت “اليونيفيل” على هذه التصرفات التي تعرض قوات حفظ السلام ومبانيها للخطر.

وأشار التقرير إلى أن القوات الاسرائيلية واصلت دخول المجال الجوي اللبناني منتهكة بذلك القرار 1701 والسيادة اللبنانية.

وسجلت “اليونيفيل” 1816 انتهاكاً للمجال الجوي اللبناني من الجيش الاسرائيلي، بإجمالي 5859 ساعة من التحليق. ويمثل هذا زيادة بنحو تسعة أضعاف مقارنة بالفترة المماثلة من 2022/23.

وتم احتساب المركبات الجوية غير المأهولة لنحو 73 في المئة من الانتهاكات، كانت الطائرات المقاتلة 25 في المئة وطائرات ومروحيات مجهولة الهوية أقل من 2 في المئة.

زادت الاضطرابات بصورة كبيرة منذ أوائل تشرين الثاني، وتم اكتشاف 38 انتهاكاً في 15 من الشهر نفسه واحتجت قوات “اليونيفيل” على الانتهاكات الجوية، وفي عدة مناسبات، ورد أن “حزب الله” استهدف إسرائيل بطائرات من دون طيار مزودة بصواريخ أرض جو.

لاحظت “اليونيفيل” أن ما لا يقل عن 38 موقعاً مهماً، بما في ذلك مواقع لجمعية “أخضر بلا حدود”، تعرضت فيها البنية التحتية للضرر أو التدمير منذ 8 تشرين الأول.

وفي 15 كانون الثاني، تم اكتشاف 18 مقذوفاً صاروخياً في القطاع الشرقي، وصرح وزير خارجية إسرائيل: “لقد أكدنا أن بناء مواقع عسكرية على طول الخط الأزرق من قيادة حزب الله الرضوان تحت ستار منظمة أخضر بلا حدود، هو غير قانوني، وقد تم تصميم هذه المواقع، لتمكين مثل هذه القوات من التسلل إلى إسرائيل من أجل ارتكاب النوع نفسه من الهجمات الارهابية المروعة التي ترتكبها حماس وغيرها من الجماعات الارهابية من غزة منذ يوم 7 تشرين الأول”.

وفي الفترة من 21 تشرين الأول إلى 20 شباط، راقبت “اليونيفيل” في 43 مناسبة، أسلحة غير مصرح بها في منطقة عملياتها، بما في ذلك المدافع المضادة للدبابات، والمدافع، وقاذفات قنابل صاروخية، وقاذفة صواريخ محمولة على مركبة، وفي 36 مناسبة، أسلحة الصيد وسبعة مخابئ للأسلحة، من بينها قاذفات صواريخ، وتم اكتشاف المنصات، بالتنسيق الوثيق مع القوات المسلحة اللبنانية، وتخلص الجيش اللبناني من جميع الأسلحة.

وأكد التقرير أن إنشاء مكتب اتصال لـ “اليونيفيل” في تل أبيب معلق، على الرغم من موافقة إسرائيل على الاقتراح الذي قدم في العام 2008 بشأن هذا المنصب.

وخفضت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان وجود أفراد الاتصال التابعين لها جنوب الخط الأزرق من أربعة إلى ثلاثة أشخاص في كانون الأول، بسبب القيود التشغيلية.

ولفت التقرير إلى أنه لم يتم إحراز أي تقدم نحو ترسيم الحدود أو ترسيمها بين لبنان والجمهورية العربية السورية. ولم يحرز أي تقدم في ما يتعلق بقضية منطقة مزارع شبعا. ولم تقم الجمهورية العربية السورية وإسرائيل بعد بالرد على التعريف المؤقت لمنطقة مزارع شبعا المقترح في تقرير الأمين العام بتاريخ 30 تشرين الأول 2007 بشأن تنفيذ القرار 1701.

ولم يقتصر التقرير على الحدود بل تخطاها إلى الشؤون السياسية والقضائية في لبنان، وذكر أن التحقيق القضائي في انفجار مرفأ بيروت لا زال معطلاً.

وكذلك لا تزال اشتباكات الطيونة معلقة، بالاضافة إلى مرور ثلاث سنوات على مقتل لقمان سليم ولم يتم إحراز أي تقدم في التحقيق.

وبالنسبة الى اللجنة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً، لم يصبح لبنان جاهزاً بعد للعمل بكامل طاقته في انتظار تعيين المفوضين المتميزين وتخصيص الموارد الكافية.

وفي الفترة من 21 تشرين الأول إلى 20 شباط، سجلت “اليونيفيل” 64 حالة اصطدام في مواقع الأمم المتحدة بالقرب من الخط الأزرق وكذلك في مقر البعثة، وأصيب جنود حفظ السلام. وفي 12 تشرين الثاني، أصيب أحد أفراد حفظ السلام بجروح خطيرة بعد إطلاق عدة أعيرة نارية باتجاه موقع لـ”اليونيفيل” بالقرب من القوزة (القطاع الغربي).

وفي 28 تشرين الأول، تعرض أحد أفراد حفظ السلام لإصابة طفيفة نتيجة اصطدامه بقذيفة داخل موقع لـ “اليونيفيل” بالقرب من الحولة.

في 12 و13 تشرين الثاني وفي 7 كانون الأول، تعرضت مواقع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان لقصف مباشر، بما في ذلك بالفوسفور الأبيض.

وفي 27 كانون الثاني، تعرض موقع لـ “اليونيفيل” بالقرب من مروحين لأضرار واسعة النطاق بعد الغارات الجوية في المنطقة المجاورة.

وأصيبت مركبة دورية تابعة لـ “اليونيفيل” بجروح طفيفة بعد إطلاق القوات الاسرائيلية النار بالقرب من عيترون (القطاع الغربي) في يوم 25 تشرين الثاني. وبعد ذلك أبلغ الجيش الاسرائيلي قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان بأن الحادثة كانت غير مقصودة.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة: “أشعر بقلق بالغ إزاء الانتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار والأعمال العدائية عبر الخط الأزرق منذ 8 تشرين الأول، والتبادل المتكرر لإطلاق النار بين حزب الله وغيره من الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة في لبنان وإسرائيل. وأحث جميع الأطراف على أن تلتزم من جديد باستعادة وقف الأعمال العدائية بموجب الاتفاق في إطار القرار 1701 والافادة من السبل الديبلوماسية كافة لتجنب مزيد من التصعيد، كما أدعو جميع الأطراف إلى الامتناع عن التصريحات العدائية التي تطلق مزيداً من تأجيج التوتر”.

وسلط التقرير الضوء على الوضع الحالي والمخاطر التي ينطوي عليها عدم اكتمال تنفيذ القرار 1701، بحيث يشكل تهديداً للبنان وإسرائيل واستقرار المنطقة بصورة كبيرة.

واعتبر أن انتظار عملية سياسية لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع وضمان الاستقرار على المدى الطويل، قد طال، ويجب على الأطراف أن تلتزم مجدداً بالتنفيذ الكامل للقرار 1701 باعتباره حصناً ضد الصراع وتنفيذ ما يلزم من تدابير لبناء الثقة وضمان الأمن المتبادل الدائم بينهما.

وجدد غوتيريش الدعوة الى “جميع الأطراف للالتزام الكامل بالقانون الانساني الدولي، بما في ذلك المبادئ، والتمييز والتناسب والاحتياط في الهجوم، وتسهيل السرعة ومرور المساعدات الانسانية من دون عوائق للمدنيين المحتاجين، وكذلك حركة الأشخاص العاملين في المجال الانساني. ويجب ضمان حماية المدنيين، ولا ينبغي أبداً استهداف الأطفال والصحافيين والعاملين في المجال الطبي”.

وشدد التقرير على أن استمرار احتلال شمال الغجر والمنطقة المجاورة شمال الخط الأزرق يمثل انتهاكاً مستمراً للقرار 1701 ويجب أن يتوقف.

وحث غوتيريش مرة أخرى السلطات الاسرائيلية على الوفاء بالتزاماتها بموجب القرار 1701، والانسحاب من شمال قرية الغجر والمنطقة المجاورة شمال الخط الأزرق. وعبّر عن أسفه لـ “عدم إحراز أي تقدم في موضوع مزارع شبعا وفقاً للفقرة 10 من القرار 1701”. وكرر دعوته إسرائيل والجمهورية العربية السورية الى أن تقدما ردودهما على القرار المؤقت، “تعريف منطقة مزارع شبعا كما جاء في تقرير الأمين العام في 30 تشرين الأول 2007، وفي الوقت نفسه، ومن دون المساس بالوضع في مزارع شبعا، ينبغي على جميع الأطراف أن تحترم بشكل كامل الخط الأزرق هناك، كما هو الحال في أماكن أخرى، والتصرف بأقصى قدر من ضبط النفس”.

وألقى التقرير الضوء على التمديد لقيادة الجيش، معتبراً أن الجيش اللبناني قوي ومزود بموارد جيدة ويظل جزءاً لا يتجزأ من التنفيذ الكامل للقرار 1701.

ورأى أن القوات الموجودة جنوب نهر الليطاني، وكذلك في البحر، تشكل عاملاً مهمًا في بناء الثقة.

ودعا غوتيريش جميع الشركاء في المجتمع الدولي إلى زيادة دعمها للجيش حيثما أمكن ذلك، ورحب بالجهود الرامية إلى تعزيز التنسيق بين “اليونيفيل” والحكومة اللبنانية.

ودعا الحكومة اللبنانية إلى الالتزام بسياسة النأي بالنفس، انسجاماً مع إعلان بعبدا (2012)، وجميع الأطراف اللبنانية الى وقف مشاركتها في الصراع السوري والصراعات الأخرى في المنطقة.

وأدان غوتيريش أي تحرك للمقاتلين والعتاد الحربي عبر الحدود بين لبنان والجمهورية العربية السورية في انتهاك للقرار 1701.

وشدد على أن دور “الأونروا” في توفير الاستقرار في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، وقال: “أشعر بقلق بالغ إزاء تعليق تمويل بعض الجهات المانحة للأونروا بحيث يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على اللاجئين في لبنان والمنطقة، فضلاً عن استقرار البلاد والمنطقة عموماً”.

ودعا غوتيريش السلطات اللبنانية إلى متابعة سلوكها بتحقيق محايد وشامل وشفاف في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.

شارك المقال