المناصب والمكاسب!

رامي الريّس

لطالما كانت المحاصصة سمة النظام اللبناني، طائفيّاً ومذهبيّاً ومناطقيّاً وسياسيّاً. ولطالما كان تقاسم المواقع والمناصب في الدولة يتم من خلال أطراف سياسيّة بمعزل عن الكفاءة والشفافيّة، ومع ذلك كانت تتقدّم أسماء في لحظاتٍ معيّنة تتمتع بالمصداقيّة المطلوبة وتمتلك رؤية شاملة وعميقة وسرعان ما تترك بصماتها في الشأن العام.

لكن تلك كانت الاستثناءات على القاعدة العامة. فمعظم من تولوا المناصب العامة في الجمهوريّة لا يتمتعون بحس رجال الدولة ولا يكترثون من أي باب سيدخلون التاريخ سواء من الباب العريض حيث ينالون الثناء والتقدير أم من الباب الخلفي حيث تلاحقهم الشتائم إلى الأبد.

تخيّلوا حجم الانهيار اللبناني وثمّة من يوقف تشكيل الحكومة فقط لأنه يريد لنفسه هذه الحقيبة الوزاريّة أو تلك! تخيّلوا حجم المعاناة الاقتصاديّة والضائقة الاجتماعيّة التي تعيشها آلاف الأسر اللبنانيّة جرّاء تدهور سعر صرف العملة الوطنيّة وهناك من يريد هذه الحقيبة لنفسه أو يعطل التأليف إلى ما لا نهاية!

تخيّلوا أن انتشال لبنان من مأزقه المالي والاقتصادي غير المسبوق ليس ممكناً من دون تشكيل حكومة جديدة تحظى بالثقة في الداخل والخارج، ومع ذلك، البعض لا يكترث لهذا الأمر، المهم الحقيبة الوزاريّة. تخيّلوا أن تقديم المساعدات إلى لبنان يمر إلزاميّاً من خلال الحكومة وليس هناك من يعير هذا الأمر اهتماهاً.

لقد لاحقت الاتهامات الشعبيّة “المنظومة” وحمّلتها المسؤوليّة كاملة عمّا وصلت إليه الأمور، وهي قد تكون محقة بذلك، فحجم التدهور مرعب وينذر بالأسوأ ما لم يتم تداركه. ولكن الواقع أن هناك جهة واحدة مدعومة من جهات أخرى تتلطى خلفها تعطل عمليّة التأليف. من واجب الرأي العام أن يعلم ذلك. هذا ليس تفصيلاً. إنه عمق المشكلة التي تتمظهر اليوم في عمليّة تأخير تشكيل الحكومة ولكنها تظهر كل يوم في عشرات المشاكل الأخرى.

وثم هناك تلك النظريّة السطحيّة التي تم الترويج لها تحت عنوان: “المافيا والميليشيا”، وهي قائمة على مغالطاتٍ عميقة بعيدة عن الواقع وترتكز على التعميم غير المستند إلى تحليل منطقي للأمور. إن الاختلال الكبير في موازين القوى لم يكن نتيجة هذه المعادلة غير الموجودة أساساً، إنما بسبب لعبة المحاور الإقليميّة أولاً، ونتيجة تحالفات محليّة هجينة حتّمتها المصلحة الفئويّة الخاصة ثانياً.

إقرأ أيضاً: عن لبنان الذي يحتضر!

بعض التحليلات السياسيّة تنطلق من عناوين برّاقة في الشكل لكنها فارغة في المضمون، وسرعان ما تنتشر بسرعة في أوساط الجماهير دون مراجعة أو تدقيق فتؤدي إلى تشوّهات إضافيّة في الحياة السياسيّة المشوّهة أصلاً والتي تعاني من اهتزازاتٍ ستقضي على الكيان برمته، وتعيد ترسيمه وفق معطياتٍ أقل ما يُقال فيها إنها لا تتلاءم مع طبيعة لبنان وتركيبته التعدديّة المتنوعة.

إبحثوا عن المسؤول المباشر عن تعطيل تأليف الحكومة وحاسبوه!

شارك المقال