حرب غزة تغرق إسرائيل

حسناء بو حرفوش

لفت تقرير في موقع Economist إلى أن حرب غزة قد تسمح لاسرائيل بضرب “حماس” إلى درجة ما لكنها في الوقت نفسه ستغرق الاسرائيليين في تعقيدات أكثر في الداخل وعلى مستوى العلاقات الخارجية.

ووفقاً للمقال، “هناك تعارض بين هدفي إسرائيل الرئيسيين منذ بداية حرب غزة أي القضاء على حماس وتحرير الرهائن. كما كان من الواضح أن غزو المنطقة التي يعيش فيها 2.2 مليون نسمة، والتي بنت حماس تحتها متاهة من الأنفاق المحصنة، سيكون أمراً بالغ الصعوبة. بالاضافة إلى ذلك، لطالما وجد خطر تحول الحرب في غزة إلى صراع أكبر”.

حرب باهظة الثمن

في الداخل الاسرائيلي، “حافظت حكومة الحرب المشتركة بين الأحزاب والتي تم تشكيلها في أعقاب الهجمات على تماسكها لمدة خمسة أشهر على الرغم من العداء العميق بين أعضائها. وعانى الاقتصاد من انكماش متوقع. كما أن ثلاثة أرباع الاسرائيليين يريدون استقالة نتنياهو ويحمّلونه مسؤولية أحداث 7 أكتوبر، ليس بسبب عدم وجود إشارات تحذيرية وحسب، ولكن أيضاً بسبب سياسته المستمرة منذ سنوات في تعزيز حماس لتقويض السلطة الفلسطينية. ويعمل نتنياهو على تعميق الانقسامات من خلال استرضاء شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، على أمل تجنب إجراء انتخابات مبكرة. وفي الوقت نفسه، يشكو الاسرائيليون النازحون من الشمال والجنوب من أن الحكومة لم تقدم سوى القليل من المساعدة بخلاف دفع فواتير الفنادق الخاصة بهم.

كما أن إسرائيل لم تنجح في ضمان أمنها على الاطلاق، فالعقل المدبر لهجمات 7 أكتوبر لا يزال طليقاً والدمار الذي أحدثته إسرائيل سيصعب إقامة نظام مستقر وسلمي بعد الحرب. كما أن لامبالاة إسرائيل تجاه معاناة المدنيين تؤدي إلى تآكل التعاطف الدولي وتدفع الحلفاء الى التشكيك بدعمهم. وأعرب العديد من الدول عن غضبه إزاء الخسائر التي لحقت بالمدنيين بسبب الحرب، لكن الغضب لم يُترجم إلى أفعال. ولم يطالب معظم الحلفاء الغربيين المقربين، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، حتى بوقف دائم لاطلاق النار، ناهيك عن اتخاذ أي نوع من الاجراءات العقابية ضد إسرائيل.

غزة بعد الحرب

ولا تتوقف الخسارة عند هذا الحد، فعندما تنتهي الحرب، حسب المقال، “ستكون غزة غير صالحة للعيش. وسيفتقر مئات الآلاف من الأشخاص إلى منازل للعودة إليها. ويقدر الباحثون في جامعة مدينة نيويورك وجامعة ولاية أوريغون أن ما لا يقل عن 55% من المباني في غزة تعرضت لأضرار هيكلية. كما تم تدمير الاقتصاد وقصف المصانع والقضاء على الشركات الصغيرة والمحاصيل والماشية. ودمرت الدبابات الطرق ودمرت الضربات الجوية شبكة الكهرباء وشبكة المياه. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 76% من مدارس غزة قد تضررت أو دمرت. والمستشفيات في حالة مزرية بالقدر نفسه”.

“سيحاول الأشخاص المتعلمون بدء حياة جديدة في الخارج وسيجرب البعض حظهم على متن قوارب إلى أوروبا. ومع ذلك، لن يكون أمام معظم سكان غزة خيار سوى الصمود. سيبقون لأشهر، وربما لسنوات، في الملاجئ المزدحمة ومدن الخيام، مع فرص قليلة للعمل ولا شيء سوى المساعدات التي يعيشون عليها. وسيتحول هذا الجيب إلى مخيم ضخم للنازحين”.

“حماس” والسلطة الفلسطينية

أما عن المستقبل السياسي، فيتوقع التحليل أن “حماس إذا حاولت الخروج من أنفاقها عندما ينتهي القتال لتؤكد سيطرتها من جديد، فمن المرجح أن تفشل، نظراً الى تقلص قوتها وشعبيتها الآخذة في التدهور، ناهيك عن احتمال نشوب المزيد من الصراع مع إسرائيل. لكن السلطة الفلسطينية ستكافح أيضاً من أجل الانقضاض والاستيلاء على السلطة. وهي بالكاد قادرة على الاحتفاظ بالسيطرة على الأراضي التي تديرها حالياً، وهي غائبة عن غزة منذ طردتها حماس في عام 2007.

وتأمل الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب في إعادة تنشيط الآلاف من رجال الشرطة العاطلين في غزة، الذين عملوا في السلطة الفلسطينية قبل سيطرة حماس. لكن العناصر اليمينية في الحكومة الاسرائيلية لا تحب هذه الفكرة، ومن غير المرجح أن تنجح على أية حال. ولم تتمكن الشرطة في غزة من منع حماس من السيطرة على القطاع في العام 2007، ومن المحتمل أن تنتقل السلطة إلى العشائر القوية، التي تحاول بالفعل السيطرة على تدفق المساعدات. وبدلاً من حكومة فاعلة، قد ينتهي الأمر بغزة إلى وجود أمراء الحرب. ولكن أياً كان ما سيخرج من الحطام، فمن غير المرجح أن يجعل الاسرائيليين يشعرون بالأمان.

لعقود من الزمن، ارتكزت العقيدة الأمنية الاسرائيلية على ثلاث ركائز: الردع، والإنذار المبكر، والنصر الحاسم. لقد انهارت جميع هذه الركائز، ولم تردع حماس عن تنفيذ هجومها. لقد فشلت أجهزة المخابرات الاسرائيلية المتفاخرة. وكذلك فعلت مجموعة من الأجهزة عالية التقنية المخصصة لمراقبة الحدود مع غزة. والحرب التي تلت ذلك لم تكن قصيرة ولا حاسمة.

وحتى الحرب نفسها أصبحت موضوعاً للانقسام. وينقسم الاسرائيليون حول ما إذا كان عليهم مواصلة القتال سعياً الى تحقيق “النصر الكامل” الذي وعد به نتنياهو أو التوقف لتسهيل صفقة الرهائن.

وكلما طال أمد بقاء نتنياهو في السلطة، أصبح ما لا يمكن تصوره مقبولاً في السياسة الأميركية: كان حجب المساعدات العسكرية عن إسرائيل، أو فرض شروط عليها، من الأفكار الهامشية لكن ذلك بات التيار الرئيسي. كما أن بايدن حذر من أن أي توغل إسرائيلي في رفح بمثابة “خط أحمر” بسبب احتمال سقوط المزيد من الضحايا بين المدنيين. ويقول نتنياهو بصورة قاطعة إن القوات الاسرائيلية ستدخل رفح في مرحلة ما.

وفي كل الأحوال، لا تكمن المشكلة الأكبر في الحرب فقط، بل في نتائجها. وعندما سيتوقف القتال، من المرجح أن تدعي كل من إسرائيل وحماس النصر، بينما في الحقيقة، لا يمكن لأحد أن يفوز في هذه الحرب!”.

شارك المقال