هل يُشعل بركان رفح المنطقة أم يبقى خامداً؟

جورج حايك
جورج حايك

من يقرأ المشهد الجيو-سياسي الاقليمي بانورامياً، لا بد من أن يصل إلى خلاصة بأن مصير المنطقة ككل يتوقّف على معركة رفح التي تنوي اسرائيل خوضها لاستكمال حرب غزة والقضاء على حركة “حماس”، فأصبحت رفح أشبه ببركان لا أحد يعرف متى يقذف حممه يميناً ويساراً، فتشتعل المنطقة على نحو دراماتيكي بدءاً من غزة مروراً بلبنان وصولاً إلى البحر الأحمر.

لكن المسألة ليست بهذه السهولة، واسرائيل بقيادة رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو تبدو مترددة، وثمة عوائق تحول دون القيام بعملية واسعة ضد “حماس” في رفح، بعدما ضربت موعداً لبدء العمليات في 10 آذار الفائت، ولم تُقدم على ذلك.

والخبر اليقين لدى عضو سابق في الكونغرس الأميركي من أصل لبناني الذي يكشف أن “هناك خلافاً كبيراً بين الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل حول معركة رفح، وبالتالي لا يُكمن لاسرائيل، ولو صرّح نتنياهو بعد لقائه وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن العكس، أن تقوم بهجوم على رفح من دون رضى أميركي، فهي تعتمد عليها ولا سيما في إمدادها بالأسلحة الرئيسية الدقيقة التي تحتاج إليها لضرب قواعد “حماس” وتحصيناتها في رفح. ومن دون دعم الولايات المتحدة، ستكون قدرة إسرائيل على مواصلة حربها محدودة للغاية. علماً أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لوّحت بحرمان اسرائيل من الأسلحة الالكترونية المتطورة إذا شنّت هجومها على رفح”.

أما النقطة الثانية التي تؤخّر المعركة، وفق عضو الكونغرس السابق، فهي بلوغ المفاوضات غير المباشرة بين اسرائيل و”حماس” في الدوحة مستوى متقدّماً لإطلاق سراح الرهائن والاتفاق على وقف إطلاق نار، وهنا بيت القصيد، لأن الخلاف بين الطرفين حول مدة وقف النار قد يطيح هذه المفاوضات، فاسرائيل تريد وقفاً مؤقتاً للنار لا يتجاوز الستة أسابيع، فيما “حماس” تسعى إلى وقف دائم لإطلاق النار مع انسحاب كامل للقوات الاسرائيلية من غزة.

ويوضح العضو السابق للكونغرس أن القطريين والأميركيين والمصريين طرحوا الاتفاق على ثلاث مراحل: وقف مؤقت لإطلاق النار مع إطلاق سراح حوالي 35 رهينة، يليه وقف دائم لإطلاق النار في مرحلة ثانية، مع إطلاق سراح الرهائن المتبقين. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فستشهد رفع الحصار عن غزة وبدء أعمال إعادة الاعمار.

وما لا يفهمه نتنياهو، بحسب مصادر مطلعة على سياسة البيت الأبيض أن الهجوم على رفح من شأنه أن يزيد بصورة كبيرة من التناقضات الداخلية داخل العديد من الأنظمة العربية في المنطقة والتي هي أيضاً حليفة للولايات المتحدة، نتيجة ما تسببه الحرب من تهجير إلى الأردن ومصر اللذين لهما حدود مع الفلسطينيين. وما لا يريد أن يفهمه نتنياهو أيضاً هو أن المعركة قد تؤثّر على بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وخصوصاً أنه يحتاج بشدة إلى إظهار قدرته على السيطرة على الوضع في الشرق الأوسط، إلا أنه حتى الآن لم يظهر سوى عجزه الكامل.

ويؤكّد النائب السابق في الكونغرس أن نتنياهو غير مستعد للتضحية من أجل بايدن أو غيره وبالتالي هو يواصل الرد على نداءات الرئيس الأميركي بالطريقة نفسها: “نحن نمضي قدماً في خطط الهجوم على رفح”.

لكن إرجاء معركة رفح لا يعني أن خطر اندلاعها تراجع، فالمجتمع الاسرائيلي “المتأهب” لا يزال يعتقد أن بإمكان الجيش الاسرائيلي حسم المعركة والتعامل مع “حماس” في معركة سريعة وحادة، وتدمير قواعدها، والقضاء على قدرتها القتالية في رفح. ويشير النائب الأميركي السابق الى أن جزءاً من الحكومة الاسرائيلية لا يزال غير مطمئن إلى هذه المعركة لأن من شأنها أن تسعّر الجبهات الأخرى، وقد تُدخل اسرائيل في مواجهة متصاعدة وعنيفة مع الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة ولا سيما “حزب الله”، مع جرّ الولايات المتحدة إلى حرب أوسع. علماً أن الوضع الانساني في غزة ورفح يعج بالسكّان الفلسطينيين الذين يعانون من مجاعة كبيرة ووضعهم الانساني بات على شفير الهاوية.

في الواقع، هذه هي الأسباب التي تدفع بايدن إلى ممارسة الضغوط لحمل نتنياهو على إعادة التفكير في استراتيجيته في ما يتعلق بـ”حماس”.

لكن النائب السابق يرى أن نتنياهو بدأ يقفز فوق بايدن عبر اتصاله بالجمهوريين لعلمه أن الرئاسة ستنتقل اليهم مع فوز دونالد ترامب المتوقّع في الانتخابات المقبلة، وقد أجرى معهم مكالمة فيديو في مجلس الشيوخ حيث صرّح بوضوح أنه لن يلين في حربه على غزة. مع ذلك، أخضعته الادارة الأميركية الحالية إلى التنازل نسبياً وتأخير الهجوم، والسماح بإجلاء أعداد كبيرة من اللاجئين من رفح قبل دخول الجيش الاسرائيلي.

ويعتبر خبراء عسكريون أن معركة رفح قد تكون الأصعب على الجيش الاسرائيلي لأن “حماس” قد تستبسل في الدفاع عنها، وهناك عدد كبير من مقاتليها، يقدّر بأربع كتائب، يتحصّنون في أنفاقها أو ضمن مواقع مموّهة. إلا أن جوهر الخطة الاسرائيلية يقضي بإنشاء جيوب حول المدينة تكون آمنة من القتال.

ويشير الخبراء إلى أن اسرائيل تعتبر الدعوة إلى وقف إطلاق النار بمثابة حرمانها من حقها في استئصال “حماس” من غزة رداً على عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول الفائت. ويشرح الصحافي الأميركي المخضرم هيو هيويت “أن حماس تشبه مرض السرطان، وبالتالي علاج هذا المرض صعب ومؤلم، إلا أنه لا يمكن التوقف عن العلاج في منتصفه، وقد يكون هذا الخطأ مميتاً، لأنه سرعان ما يعود وينتشر. تلك هي المعادلة الاسرائيلية اليوم”.

ويختم هيويت أن وقف إطلاق النار بالنسبة إلى اسرائيل اليوم، يعني السماح لزعيم “حماس” يحيى السنوار بأن يعلن النصر المجيد، ما سيغري المنظّمة بتكرار عملية 7 تشرين الفائت، وهذا ما يعمّق خلاف نتنياهو مع الرئيس بايدن!

شارك المقال