التقاطعات الجيوسياسية: حروب عديدة وسلام عقيم

حسناء بو حرفوش

يكمن السبب الرئيسي لعدم الاستقرار العالمي اليوم في درجة التقاطع بين الأحداث المحلية والعالمية، والجغرافيا السياسية والاقتصاد الجغرافي وصراع الامبراطوريات والرأسماليات… تلك هي خلاصة مقال في موقع Foreign Policy in Focus الالكتروني. ويبني المقال على مثال الحروب أو الصراعات الثلاثة الكبرى التي تحتل الصفحات الأولى اليوم: حرب غزة، الصراع الأوكراني – الروسي والتوترات في بحر الصين الجنوبي.

ووفقاً للتحليل، “تظهر الحرب بين حماس وإسرائيل، درجة التشابك بين المساعي الاستيطانية الاسرائيلية ومحاولة الحفاظ على الهيمنة العالمية للولايات المتحدة. وفي أوكرانيا، اندلعت حرب استنزاف دامية على خلفية السعي الى توسيع حلف شمال الأطلسي ليشمل إحدى دول الاتحاد السوفياتي السابق. وفي بحر الصين الجنوبي، تحولت النزاعات على الأراضي والموارد الطبيعية إلى صراع عالمي بسبب التنافس بين الولايات المتحدة والصين وسعي الأولى لمحاولة السيطرة على هيمنتها العالمية”.

هذا يعني باختصار أن “ميزان القوى يعادل ميزان الرعب وما يزيد من حالة التقلب في الصراعات الحالية خصوصاً هو أنها تحد بغياب أي محاولات فاعلة لفرض تسوية سلمية. وفي أوكرانيا على سبيل المثال، يحدد توازن القوة العسكرية نتيجة الحرب، وهنا يبدو أن روسيا هي المنتصرة على أوكرانيا والمحور الذي يضم حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وفي منطقة الشرق الأوسط، لا قوة فاعلة في مواجهة العملاق العسكري الاسرائيلي الأميركي على الرغم من الابادة الجماعية المستمرة منذ ما يقرب من ستة أشهر، والتي لم تفضِ في الأصل الى تحقيق الهدف الاسرائيلي الرئيسي المعلن والمتمثل في تدمير حركة حماس.

أما في بحر الصين الجنوبي، فيبقى مسار الأحداث منوطاً بتوازن القوى بين الصين والولايات المتحدة. وبغياب أي “قواعد للعبة”، تبقى الأبواب مفتوحة على مصراعيها لكل الاحتمالات ومنها احتمال اصطدام السفن الأميركية والصينية ببعضها البعض، ثم انحرافها في اللحظة الأخيرة عن طريق الخطأ، أو حتى توسع الاصطدام وتطوره الى حرب تقليدية.

وبغياب القيود الفاعلة، يسهل بسهولة الإنزلاق إلى الإبادة الجماعية سواء في فيتنام أو العراق أو أفغانستان أو غزة، خصوصاً وأن الأحداث الأخيرة بينت أن اتفاقيات جنيف واتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية لا تعدو كونها أكثر من حبر على ورق.

الدفاع عن النفس

ويفرض هذا الواقع سيناريو تطوير القوى السياسية والديبلوماسية والعسكرية للقوة المضادة دفاعاً عن حق الناس في اللجوء إلى الدفاع المسلح عن النفس. لكن هذا لا يعني أن جهود السلام التي يبذلها المجتمع المدني على المستوى العالمي غير ضرورية، بل على العكس تماماً، ويعيدنا ذلك في الذاكرة الى ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، قبل غزو العراق بوقت قليل، وتحديداً في 17 فبراير/شباط 2003، رداً على التعبئة الجماهيرية ضد الغزو المخطط له للعراق. وجاء في المقال أنه لم يتبق سوى قوتين عظميين في العالم: الولايات المتحدة والرأي العام العالمي، وأن الرئيس جورج بوش تجاهل آنذاك هذا السيل من الردود العالمية على مسؤوليته الخاصة.

وساهم المجتمع المدني العالمي في إنهاء الحربين في أفغانستان والعراق من خلال إفقاد الرأي العام الأميركي شرعية تلك الحروب، حتى أن دونالد ترامب أدانها في وقت لاحق، كما فعل العديد من الشخصيات التي صوّتت بنعم للحرب. ولعل القرار الأخير لمحكمة العدل الدولية الذي يجبر إسرائيل على وقف الإبادة الجماعية في غزة يجد له صدى مماثلاً ويزيد من عزلة إسرائيل على المدى الطويل، حتى ولو أن تأثيراته لن تنسحب على الوضع الآني.

سلام عقيم

لا شك في أننا ننظر جميعاً الى السلام كحالة مثالية، لكن سلام المقبرة لا يمكن أن يعتبر سلاماً. والحال سيان بالنسبة الى السلام الذي يشترى بالتنازلات. وسترفض الشعوب المضطهدة على غرار الفلسطينيين السلام المشروط بالإذلال. وهذا ما أثبتوه على مدى الأعوام الـ 76 التي تلت النكبة وطردهم الجماعي من أراضيهم. باختصار، لن يقبل الفلسطينيون بأقل من السلام الملازم للعدالة، وهذا يعني السلام الذي يكرّس العودة واستعادة الأراضي التي استولى عليها المستوطنون، وإقامة دولة تمنحهم السيادة وتلهمهم الفخر. وتقع مسؤولية تحقيق مثل هذا السلام العادل على الجميع”.

شارك المقال