اغتيالات اسرائيل لمسؤولي “الحزب” موجعة والردود لا تردعها!

جورج حايك
جورج حايك

يكاد لا ينتهي مسلسل اغتيالات اسرائيل لمسؤولي “حزب الله”، وكان آخرها منذ يومين إسماعيل علي الزين وهو متخصص في مجالات الاتصالات التابعة لـ”الحزب”. لائحة الضحايا أصبحت طويلة، ولا شك في أن هذه الاستهدافات المتتالية تثبت التفوّق التكنولوجي والاستخباراتي للجيش الاسرائيلي على “الحزب” الذي يبدو عاجزاً عن حماية مسؤوليه أو الرد بالفاعلية نفسها.

واللافت أن ما يحصل منذ بداية 8 تشرين الأول الفائت، يُثبت أن اسرائيل تعمل بموجب بنك أهداف وليس اعتباطياً، والمؤشر هو أسماء الضحايا من القادة الميدانيين لـ”الحزب” الذين يضطّلعون بمسؤوليات حسّاسة من ضمن ما يتجاوز الـ265 ضحية، يعتبر “الحزب” أنهم سقطوا “على طريق القدس”، فيما الحقيقة أن هؤلاء سقطوا، للأسف في اشتباكات على الحدود أو في قصف اسرائيلي لعمق القرى الجنوبية وأحياناً بعلبك والبقاع، ولا علاقة للقدس بما يخطّط له “الحزب” ومرجعيته الايرانية.

ولعل جولة بسيطة على أسماء ضحايا “الحزب” ومسؤوليتهم تعكس أن اسرائيل تنفّذ خطة مدروسة من خلال هذه الاغتيالات، فهي استهدفت رجل الارتباط والتنسيق بين “الحزب” و”فيلق القدس” و”حماس” علي حدرج، واغتالت خمسة من وحدة النخبة التابعة كان من ضمنها عباس رعد، وهو نجل رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد. أما العملية الأكثر وجعاً التي استهدفت “الحزب” فكانت اغتيال قائد قوات “وحدة الرضوان” وسام الطويل، إضافة إلى أسماء اخرى في مواقع قيادية. علماً أن تاريخ اسرائيل مع الاغتيالات التي طالت قادة “الحزب” طويل جداً ويبدأ مع اغتيال الشيخ راغب حرب عام 1984، والأمين العام السابق لـ”الحزب” عباس الموسوي عام 1992، والقائد العسكري عماد مغنية عام 2008، وحسان اللقيس عام 2013، والأسير المحرر سمير القنطار عام 2015 وصولاً إلى مصطفى بدر الدين عام 2016.

بات من الواضح أن اسرائيل تقوم بهذه الاغتيالات وفق خطة مبرمجة، يتحدث عنها مفصّلاً الباحث في شؤون مكافحة الارهاب بيار جبور: “لقد أطلق على هذه الخطة إسم النسر والزواحف، أي أن اسرائيل تعتمد استراتيجية عسكرية تشبه ما يفعله النسر عندما يرى فريسته، ونستخدم هذا التعبير لمقتضيات الوصف التقني وليس تقليلاً من شأن أحد، فينقضّ من الأعلى عليها، وهذا ما يُفسّر المراقبة الدقيقة من اسرائيل للقادة الميدانيين التابعين للحزب، فعندما يخرجون من المخابئ تكون لهم بالمرصاد، ما يعكس تطوّرها التقني موضوعياً، ويثبت فشل الحزب في حماية قادته”.

ويلفت إلى أن “الجيش الاسرائيلي يستخدم الذكاء الاصطناعي لضرورات استخباراتية وفق بنك أهداف، ترصده الطائرات المسيّرة فتكشف وجهه بالصور حتى لو كان في سيارة بزجاج داكن، لأن التقنية الاسرائيلية قادرة على اختراق عظام الوجه وبصمات الصوت، ما حرم الحزب من استعمال أجهزة الإتصالات، وبات يعاني من صعوبة الحركة والتباطؤ، وانعكس هذا الأمر على الزخم في إطلاق الصواريخ”. علماً أن نظام الذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه اسرائيل يُعرف بإسم “غوسبل” يعتمد على عملاء أرضيين وصور جويّة وبصمات الصوت وكل إشارة تصدر عن الأجهزة اللاسلكية.

وليس سراً أن أسماء القادة الميدانيين الذين تغتالهم اسرائيل تؤثّر على قدرات “الحزب”، وهذا ما يؤكّده جبور، معتبراً أن “بنك الأهداف وضعته منذ دخول الحزب للمشاركة في حرب سوريا وليس مستبعداً أن هناك خرقاً من الداخل، وبالتالي تجمع المعلومات منذ ذاك الوقت، ومن الطبيعي أن يكون هؤلاء القادة الميدانيون مؤثّرين في مسؤولياتهم، وهم يعرفون الأرض والعناصر، حتى ولو لم يعترف الحزب بذلك”.

أما ردود “الحزب” على الاستهدافات الاسرائيلية فلا توازي حجم الخسائر التي مني بها حتى الآن، ويصفها جبور بـ”الطفيفة”، لكنه يشير إنصافاً للموضوعية إلى أن “الإنجاز الوحيد للحزب هو تهجير 100 ألف مستوطن من شمال اسرائيل، وكان من الطبيعي أن تقوم اسرائيل بإجلاء مواطنيها من هناك. إلا أن لبنان في المقابل، تأثّر سلباً أيضاً عبر نزوح ما لا يقل عن 100 ألف من سكانه الجنوبيين”.

ويقارن جبور بين “حجم القادة الميدانيين للحزب الذين تستهدفهم اسرائيل، وانعدام قدرة الحزب على استهداف أي مسؤول أمني اسرائيلي، علماً أن الطرفين يقومان ببناء التحصينات وتمويه الآليات، إلا أن التفوق التكنولوجي الاستخباراتي الاسرائيلي يبدو واضحاً، هناك فارق شاسع”.

بالنتيجة فشل “الحزب” في حماية قادته الميدانيين، فالعالم أصبح مفتوحاً على بعضه والوسائل التكنولوجية ولا سيما الذكاء الاصطناعي تستخدمها اسرائيل فيما تغيب عن “الحزب”. ويختم جبور: “ضربات الحزب الصاروخية لا تصيب أهدافاً قاتلة لاسرائيل، إنما تدمّر الحجر على نحو موضعي، فيما قوة النار التدميرية لاسرائيل تخفي شوارع في الجنوب كما يحصل في قطاع غزة. من جهة أخرى، يستهدف الحزب الثكنات الاسرائيلية، إلا أن اصاباته لو كانت فاعلة، لكانت هذه الثكنات أصبحت غير صالحة للإستعمال، في حين أنها تتعرض لإصابات طفيفة ولا يتوقّف الحزب عن استهدافها مراراً وتكراراً من دون فاعلية”.

شارك المقال