أهالي جبل محسن بعد قرار “العدلي”: غصّة وحسرة!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم ينسَ أهالي جبل محسن التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف مقهى المجذوب عام 2015 وأسفر عن سقوط تسع ضحايا وأكثر من 30 جريحاً، وذلك في أوّل حادثة أمنية خطيرة وقعت شمالاً منذ تنفيذ الخطّة الأمنية عام 2014. وبعد 9 أعوام، يفتح المجلس العدليّ الملف من جديد بعد إحالة هذه الجريمة أمامه بتاريخ 12/3/2015، عبر إصداره الحكم في 26/3/2024، وتضمّن إنزال عقوبة الاعدام بحقّ الموقوف قاسم تلجة، وسجن آخرين أو تبرئتهم.

إنّ الجريمة التي تبنّتها جبهة النصرة “ثأراً لأهل السنّة في سوريا ولبنان”، ورداً على “الحزب العربي الديموقراطي”، وقعت بعد أعوامٍ على جولات عنف “دامية” بين جبل محسن وباب التبانة وبعدها مع الجيش، كما بعد تفجيريّ مسجدي “التقوى” و”السلام” (2013)، ما دفع “النصرة” وفق قولها، إلى الردّ على “تغاضي” الحكومة (برئاسة تمّام سلام) عن محاسبة منفذي التفجيريْن وتركها مجال الهروب مفتوحاً “أمام هؤلاء المجرمين الذين نفذوا هذا العمل الدنيء، ضاربين بمشاعر أهل السنّة في لبنان عرض الحائط”، كما أتت عشية القرار القضائي الذي قضى بإصدار مذكّرة توقيف غيابية بحقّ زعيم الحزب علي عيد على خلفية التفجيريْن، في وقتٍ كان سبق التفجير (بحوالي 5 أيّام) جولة الحوار الثانية بين تيّار “المستقبل” و”حزب الله” تخفيفاً للاحتقان.

وكان نفذ التفجير (الذي وقع عند الساعة السابعة والنصف مساءً)، الانتحارييْن من منطقة المنكوبين: طه سمير خيّال (1994- كان متوارياً عن الأنظار)، وبلال محمّد إبراهيم الملقّب بـ “إبراهيم” (1986). ووفق “النصرة”، فإنّهما كانا تدرّبا في صفوفها في منطقة القلمون- سوريا، حيث تجاوزا بسهولة حاجز الجيش عند مدخل الجبل، على الرّغم من إخفائهما حزاميْن ناسفيْن صغيريْن، قيل إنّ زنة الواحد منهما كيلوغرامان، فدخلا إلى المقهى ففجّر الأوّل نفسه، ثم وقع التفجير الثاني الذي دفع المواطن عيسى خضور (60 عاماً) إلى الخروج من مكتبه ليتصدّى له بجسده، فحضن الانتحاري بعد سماعه تكبيره ومنعه من الدّخول تجنّباً لوقوع ضحايا أكثر.

التحقيقات التي جرت بيّنت إرسال جبهة “النصرة” انتحاريين إلى الجبل انتقاماً لتفجيريّ المسجدين، وذلك نتيجة تأليف مجموعة “إرهابية” في لبنان بقيادة أمير الجبهة في طرابلس أسامة منصور وشادي المولوي، والتي تتلقّى أوامرها من أبو مالك التلّة، أيّ جمال زينية أمير “النصرة” في القلمون السورية، والذي سبق أنْ وعد بأنّ الجبهة “ستضرب خلف أسوار الروافض والنصيرية”.

وفق معطيات “لبنان الكبير” فإنّ هذا الملف “تعرّض للكثير من الأخذ والردّ، لأنّ المجلس العدلي كان أجّل جلسات عدّة بسبب وجود الهيئة أو غيابها، لكن في وقتٍ كانت رفضت فيه المراجع القانونية مبدأ دعشنة طرابلس كما أراد وزير الدّاخلية الأسبق نهاد المشنوق، (حكم أنّ التفجير نفذته داعش)، فأكّدت سابقة حصلت في المجلس عبر الحكم، حيث أعلن براءة بعض المتهمين منهم محمّد منفخ، من الجنايات والجنح المنسوبة إليه بقرار الاتهام، لعدم كفاية الدليل، مع العلم أنّه متّهم بحكم غيابيّ”.

جبل محسن

لم يكن القرار عند حسن ظنّ أهالي جبل محسن “الذين توقّعوا تعاضداً سياسياً، أمنياً، قضائياً، ودينياً معهم للوصول إلى العدالة”. ويعتبر خضر خضور وهو ابن الضحية عيسى الذي تحدّث باسم عوائل الضحايا، أنّ “الجريمة استهدفت كلّ لبنان”، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “منذ تلك اللحظة التي خسرت فيها والدي ووالدتي بعده بشهرين حزناً عليه، سقطت أعمدة منزلنا، والجرح في الجبل كبير للغاية، ولم نكن نطلب من الدّولة تعويضاً مادّياً، لكنّنا نريد إنصاف الشهداء وعائلاتهم المقهورة، فلم نجد عوناً أبداً، بل وجدنا تهميشاً لجرحنا بعد ضربة موجعة بحقّنا، فصحيح أنّ حقّهم عند الله، لكن يبقى الحقّ العام، وحقّ والدي المعتدل، والد السبعة، الذي اسُتشهد على مذبح الوطن فداءً لطرابلس، وأوقف نهر الدّم حين رمى بنفسه ليُخفف خسارة كارثية، وهذا ليس مستغرباً، فهو حارب ضدّ العدّو في الثمانينيات وكان يدعم أبناء منطقته بحكمة”.

أمّا المختار عبد اللطيف صالح، فيُؤكّد أنّ الإرهاب لا دين له، في وقتٍ لا يُخفي فيه امتعاض أبناء الجبل من القرار، قائلًا لـ “لبنان الكبير”: “فُجعنا بتفجير جبل محسن كما فجعنا بتفجيريّ المسجدين، والمصاب لا يكمن في منطقتنا فحسب، بل يطال أهالي المنكوبين، حيث نرى أنّ الانتحاريين كانا ضحيتين لأفكار غُسلت بها أدمغتهما، أمّا القرار فلم يتضمّن إلقاء القبض على أحد المطلوبين الموجودين، فمنهم متوارٍ عن الأنظار، وآخر يُحارب في سوريا والعراق وغيرها من التفاصيل التي دفعت الأهالي منذ ساعات إلى التوجه للمجلس العلوي الذي طلب لهم محامياً ليستأنف القرار، لكن المحامي طلب مبلغاً مالياً كبيراً للأسف”.

مصدر متابع للملف، يُشير إلى أنّ “المحامي طلب 2000 دولار، مع أنّ العائلات عاجزة عن إطعام نفسها”، كاشفاً لـ “لبنان الكبير” أنّ والد أحد الانتحاريين (قبل شهرين من الجريمة)، كان أعطى إخباراً للأجهزة الأمنية أنّ نجله سيُفجّر نفسه في مكانٍ ما، فلم يتحرّك أحد. لذلك ينتقد المصدر اتهام مجموعة من الشخصيات بالجريمة وتحميلها المسؤولية الأكبر لإقفال القضية التي تأتي مقابل تفجير المسجدين، بدلاً من تحميلها لمرتكبيها الحقيقيين الذين تحميهم التسويات السياسية.

شارك المقال