بين التردد والرد الباهت… إيران تكرّس سياسة “الصبر الاستراتيجي”

زياد سامي عيتاني

إغتيال القيادي الكبير في الحرس الثوري الايراني محمد رضا زاهدي في دمشق يعتبر أهم حدث من نوعه بعد اغتيال قاسم سليماني في كانون الثاني 2020 بمحيط مطار بغداد الدولي. وهذا ما دفع المرشد الأعلى لايران علي خامنئي، الى توعد إسرائيل بـ”الهزيمة”، وقال خلال استقباله جمعاً من كبار المسؤولين في حسينية الخميني، الأربعاء، إن “الكيان الصهيوني” سيتلقى الصفعة جراء ما فعله في سوريا.

وعلى الرغم من تهديدات الرد والانتقام التي أطلقها خامنئي وقادة الحرس الثوري والمسؤولون في طهران على الهجوم الذي استهدف القنصلية، إلا أن خبراء في الشأن الايراني يشيرون إلى أن القادة الايرانيين سيتبنون نظرية “الصبر الاستراتيجي” وتجنب التصعيد، مع الحفاظ على مصالحهم في التعامل مع هذه الحادثة، على غرار التعاطي “الهادئ” مع مقتل قائد الحرس الثوري قاسم سليماني، بحيث إقتصر الرد على إستهداف قاعدة “عين الأسد”، من دون أن يُقتل أي من أفراد الجيش الأميركي المتمركزين في القاعدة، وكانت هناك تقارير تفيد بأن الجيش الأميركي قد تم تحذيره مُسبقاً من الصواريخ القادمة، على الرغم من توعد إيران بـ “الانتقام الشديد” لمقتل سليماني.

لكن من دون أدنى شك فإن إيران تواجه من جديد إشكالية الرغبة في الرد لردع إسرائيل عن شن المزيد من تلك الهجمات، بينما تريد أيضاً تجنب حرب شاملة. فإذا ردّت قد يستتبع ذلك مواجهة لا تريدها، وإذا لم ترد، في هذه الحالة سيكون ذلك دليلاً على أن ردعها “نمر من ورق”. طهران في موقف لا تحسد عليه، لأن عدم الرد سيفسر على أنه ضعف ويستدعي بالتالي مزيداً من الضربات الاسرائيلية، وبالتالي الفشل في الرد من شأنه أن يقوّض الوجود العسكري الايراني في سوريا، لكن إذا ردت فستقع في الفخ الذي يعتقد قادتها أن إسرائيل نصبته لهم من أجل دفعهم الى الدخول في حرب مباشرة. كذلك، فإن عدم الرد، سيجعل إسرائيل تسعى إلى استغلال المجال الكبير للمناورة الذي تتمتع به في مواجهة إحجام الايرانيين عن الانجرار إلى قتال واسع، في توجيه المزيد من الضربات الموجعة الى المحور الذي تتزعمه إيران في المنطقة، وهي آمنة من رد الفعل المباشر على الرغم من الحذر من بعض الاختراقات التي قد تحصل هنا أو هناك.

إذاً، القيادة الايرانية تواجه تحدياً في إستمرار سياسة “الصبر الاستراتيجي”، خصوصاً مع تزايد التكلفة الاستراتيجية والمخاطرة، سواء من خلال دعمها للجماعات الموالية لها في المنطقة أو من خلال تنفيذها للعمليات المباشرة. لذلك، فإن طهران ستُقوّم ردها على أساس معادلة “الربح والخسارة” بالنسبة الى النظام الحاكم، لأنها تدرك جيداً أن المستهدف الحقيقي من هجمات إسرائيل هو النظام الايراني نفسه، وليس الحرس الثوري فقط، وبالتالي فإنها تدرس خيارات الرد على هذه الهجمات وفقاً لهذه المعادلة.

في ظل هذه المعطيات، فإن معايير الربح والخسارة لدى إيران هي القاعدة الاستراتيجية بالنسبة اليها، بحيث تركز على الخيارات التي تخدم مصلحة النظام ونفوذه، بدلاً من مجرد رد الاعتبار أمام الآخرين. لذلك، فعلى الرغم من التهديدات المتكررة بالرد والانتقام التي تطلقها طهران بصورة روتينية، إلا أن الاستراتيجية الحقيقية للنظام الايراني ترتكز على الاستجابة بحسب المصلحة الوطنية والاقليمية.

وفي هذا السياق، فإن الرد الحقيقي من وجهة نظر إيران هو الرد الذي يعزز مكانتها ويحافظ على استقرارها الداخلي والاقليمي، لا سيما أنها خبيرة في تنفيذ هجمات رمزية مثل تلك التي ردت بها على إغتيال أهم قائد عسكري لديها قاسم سليماني، مكتفية بالهجوم الصاروخي الباليستي الذي شنته على قاعدة الأسد الجوية العراقية.

وفي هذا العرض، لا بد من التوقف والتمعن بالتقارير في الصحف الايرانية سواء الاصلاحية أو المتشددة، التي تهدف إلى تهيئة المواطن الايراني لعدم جدوى توجيه ضربات عسكرية انتقامية، لأن النظام يدرك أنه لن يتجرأ على الدخول في حرب مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، إذ تسعى التقارير الاعلامية في إيران إلى إرسال رسائل إلى الشارع الايراني بعدم رفع سقف التوقعات، وأن أي رد عسكري إنتقامي من طهران يشكل وقوعاً في الفخ الاسرائيلي بجرها الى حرب ليست لصالح الدولة أو المواطن.

إن إيران تخطط لتبني “الصبر الاستراتيجي”، على أساس التحرك وفق معدلات الربح والخسارة، بما يستوعب غضب المطالبين بالانتقام من ناحية، وتخفيف التبعات الأمنية والاقتصادية والسياسية عليها في أي رد فعل تقوم به من ناحية أخرى. وعليه أي رد مهما وأينما كان، سيكون باهتاً مكرراً كما في السابق!

شارك المقال