هل تُغيّر مشهديّة 4 آب الجامعة مسار الأحداث؟

جورج حايك
جورج حايك

ذكّرت المشهدية الحاشدة والجامعة في ذكرى انفجار 4 آب المخصّصة للتضامن مع أهالي الشهداء والجرحى، وللمطالبة بالعدالة، بمشهدية 17 تشرين الأول 2019، ولم تشارك الحشود الكبيرة في الذكرى بسبب قضية انفجار المرفأ فحسب، إنما حملت مطالب وعناوين أخرى كتغيير السلطة الحاكمة ومحاكمتها، ورفع الحصانات، ونزع السلاح غير الشرعي والحياد الإيجابي، وإخراج لبنان من لعبة المحاور، ووقف إذلال اللبنانيين والعدالة الاجتماعية والانتخابات النيابية المبكرة وما إلى هنالك من عناوين تغييرية.

لا شك في أن الحشد الكبير لم يضم أهالي الشهداء والجرحى نتيجة انفجار 4 آب 2020  فحسب، إنما ضمّ أيضاً مجموعات مدنية وأحزاباً سياسية وفاعليات ونقابات وغيرها، لذلك الناظر إلى الحشد تغريه المشهدية الجامعة والموحّدة حول الحدث الجلل وهو إحياء ذكرى الانفجار الكارثي والمدمّر والتضامن مع أهالي الشهداء، إلا أنه كلما اقترب من المجموعات المكوّنة لهذا الحشد يلاحظ تناقضات كبيرة بينها حول بعض العناوين، وربما لا شيء يجمع بينها سوى العناوين الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والعدالة، فيما تبقى العناوين السياسية العامل الأساسي للتفرقة والشرذمة بعمق، وهنا لا بد من طرح نقاط الضعف في جسم القوى التغييرية التي تستغلها قوى السلطة للانقضاض عليها وإفقادها فعاليتها وهي:

أولاً، شعار “كلن يعني كلن” يعتبر مجحفاً، وعلى القوى التغييرية أن تضع الطبقة السياسية في غربال لا أن تشمل الجميع بشعار واحد من دون تمييز، فحتماً القوات اللبنانية ليست في السلطة ولا تنتمي إلى المنظومة بكل مبادئها وأدائها، وليست تابعة للأكثرية النيابية المتمثلة بحزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، ولا اتهام الجميع بالفساد جزافاً وتجهيل الفاسد الحقيقي، بل صار هذا الشعار مرادفاً لعدم القدرة على التحديد، ثم تمادى فصار استراتيجية عشوائية، لا تسندها الفرعيات التكتيكية، ولا تغذّيها، أو تترجمها السياسات اليومية المتناسلة. لقد أمكن في ظلّ العمومية الحراكية، نُطقاً وعملاً، توالد المجموعات الكثيرة التي يمكن تصنيفها جماعات “اللامضمون”، مثلما أمكن تناسخ المسمّيات التي يشار إليها بأسماء متعدّدة، ولا تُحدَّد إلاّ بشعار واحد هو “كلّن يعني كلّن”.

ثانياً، محاولة بعض الأحزاب والمجموعات المدنية احتكار تمثيلها للمعارضة وحصرها بمن استقال من المجلس النيابي، وهذا خطأ منهجي وابتعاد عن الموضوعية واقتراب من الغوغائية، بل يسير المحتكرون في نهج إلغائي يشبه الحالة العونية في بدايتها، فالمعروف في أي دولة وجود موالاة ومعارضة داخل المجلس النيابي ولا شيء يمنع من التقاء معارضة الداخل مع معارضة الخارج، لأن ذرائع القوى التغييرية خارج البرلمان غير مقنعة، وإن فازت في الانتخابات المقبلة ستضطر إلى الجلوس مع أحزاب سياسية تمثّل السلطة وغير السلطة، ويبدو نهج بعض القوى التغييرية مارقاً وخداعاً، ويمثله رئيس حزب الكتائب سامي الجميل وبولا يعقوبيان.

ثالثاً، تختلف هذه القوى حول بعض العناوين الأساسية في ما يتعلق بالسياسة ولا سيما موضوع سلاح حزب الله والمقاومة وصولاً إلى موضوع الحياد والقانون الانتخابي وغيرها، وبالتالي هذا التناقضات العميقة تجعل هذه القوى مشرذمة، بل تشكّل نقطة ضعف في مواجهتها للسلطة.

رابعاً، تخبّط بعض المجموعات المدنية المتوالدة بكثرة نتيجة الطموح الجامح إلى السلطة، والمفارقة أن كثراً منها تحمل العناوين نفسها وتتشابه أفكارها إلا أنها لا تلتقي بسبب رغبة قادتها إلى العمل منفردين على نحو مريب!

خامساً، لا قيادة جامعة لما يسمّى معارضة وهذا ما يضعفها، أما خوفها من تصفية رموزها إذا خرجوا إلى العلن فليس منطقياً ولا مبرراً لأن لا نضال من دون تضحيات ودماء، فلماذا تبقى من دون رأس أو على الأقل تشكيل لجنة تتولى تنسيق الخطوات والعناوين والتحركات؟

سادساً، سيطرة اليسار الحاقد لدى بعض قوى التغيير، وهو يسار مشبوه يدور في فلك حزب الله ومحور المقاومة، يمثله الحزب الشيوعي بقيادة حنا غريب معززاً بمجموعات مركّبة تم تحضيرها غبّ الطلب، وهذا يثير القلق لأنّ هذه القوى مسكونة بأحقاد الحرب الأهلية ومصطلحاتها وتخدم مشروع حزب الله!

سابعاً، انتصارات القوى التغييرية في بعض النقابات والجامعات لا تبدو نتائجها باهرة وخصوصاً على صعيد الأداء، ولم تحقق أي انجازات إصلاحية بناءة، بل أفكار لا تنسجم مع طموحات اللبنانيين الذين يئسوا من الصراعات وتصفية الحسابات والخلافات السياسية الضيّقة، ولا يقنعهم ما هو خيالي ولا ينسجم مع الواقع كطرح نظام الدولة المدنية في ظل وجود حزب مذهبي مسلّح لا يؤمن بالمدنية ولا بالعلمانية ولا بكل هذه الطروحات.

على القوى التغييرية التخلّي عن فكرة الغاء الآخرين، فالتاريخ المعاصر يثبت أن لا أحد قادراً على الغاء أحد، بل عليها التعامل مع كل ما هو ايجابي لدى أي طرف سياسي بصرف النظر عمّا إذا كان داخل مجلس النواب أو خارجه، فلا وجود لفكرة الأشرار والأخيار على نحو مطلق في العمل السياسي في لبنان، علماً أن الانتخابات النيابية المقبلة ستكون التحدي الأكبر لهذه القوى الطموحة، والهدف الاستحواذ على أكبر عدد من المقاعد النيابية لتطبيق مشروعها، وهذا لن يحصل إذا استمرت برفع لواء الغاء الآخرين من دون تقييم موضوعي للالتقاء مع من يعمل من أجل لبنان الحضاري والدولة القوية والقانون والسيادة والحياد والتطور والانفتاح على المجتمعين العربي والدولي، لا الانزلاق في لعبة المحاور التي ساهمت في عزل لبنان وإفلاسه وإفقاره!

شارك المقال