الرد الايراني وتطورات المنطقة… فاصل ونواصل!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

… أخيراً وبعد إنتظار دام أسبوعين، جاء الرد الايراني “المنتظر” على القصف الاسرائيلي للقنصلية الايرانية في دمشق في الأول من نيسان، وتحقق الشعار الخالد “سنرد في الزمان والمكان المناسبين” الذي – وللأمانة – كان أول من أطلقه هو النظام السوري الذي لا يزال يعمل بهديه حتى اليوم على الرغم من “الجيوش” المتعددة الجنسيات التي تجثم على صدر سوريا.

المهم حصل الرد الايراني ولكن على ما يبدو جاء في الزمان والمكان المناسبين لكل أطراف الصراع، لأنه جاء – وكما كان متوقعاً على نطاق واسع – بطريقة مدروسة – وأكاد أجزم – بأنها متفق عليها ومحسوبة بميزان الذهب الأميركي الدقيق، بحيث لعب الحَكَم الأميركي دوره بحرفية عالية ومهارة تُحسب له، بدليل أن المباراة مرت من دون خشونة ولا ضربات جزاء ولا إصابات تذكر، وبقي اللعب نظيفاً كما الملعب وخرج الجميع من المباراة سعداء بما حققوا بمن فيهم الجمهور .

فإيران حافظت على ماء وجهها أمام ملايين البسطاء من شعبها ومريديها في المنطقة، وهذا بحد ذاته يُعتبَر مكسباً لها إنطلاقاً من خطابها وممارساتها ومقاربتها للأمور التي تنحو دائماً نحو التعبئة والاثارة أكثر منها نحو الوقائع على الأرض.

إسرائيل بدورها خاضت المباراة على شكل تدريب وتجريب لدفاعاتها الجوية وقبتها الحديدية، وكذلك “السياسية الغربية” ناهيك بعلاقاتها شبه التحالفية مع بعض الأطراف العربية في مناورة “بالذخيرة الحية”، وكانت النتيجة مرضية لها بحيث لم يصل سوى 7 صواريخ من أصل 330 صاروخاً ومسيَّرة أُطلقت بإتجاهها في نتيجة “تفضح” في الوقت ذاته وتجس نبض قوة إيران الحقيقية ودقة سلاحها ومداها الواقعي والعملي.

أميركا دولةً وإدارة هي كالعادة الرابح الأكبر بصفتها مدير اللعبة، أميركا الدولة أكدت للعالم مرة أخرى مدى إلتزامها بأمن إسرائيل وتفوقها بشكل لا يرقى إليه الشك، وإدارة بايدن أكدت لنتنياهو أولاً أن أميركا هي الدرع الواقية الحقيقية لإسرائيل وليس سياسته هو، كما أكدت ليهود أميركا والعالم في عام الإنتخابات هذا أنها مارست هذا الالتزام بالممارسة العملية.

يبقى أصحاب الملعب الذي جرت وتجري عليه المباريات وهم العرب، الذين ظهروا كما العادة بمظهر الغائب إلا في مقاعد المتفرجين، فمنهم من يصفق ومنهم من يطلق صفير الاستحسان أو الاستهجان لدى كل رمية، القليل المشارك منهم كان يلعب كلاعب مجنَّس من ضمن الفريق الأميركي – الاسرائيلي بذريعة إبعاد الخطر الايراني، الذي بات كشمَّاعة – على الرغم من جديته – نعلق عليها كل تخاذلنا بدل مواجهته بطريقة عملية ومباشرة عبر إطلاق مشروع عربي موحد ولو على الحد الأدنى بدل الظهور بمظهر المستجير من الرمضاء بالنار.

وحدها غزة المنكوبة لم تستفد من هذا الرد والمباراة، وبقي الوضع فيها على ما هو عليه وأصعب، وقد تكون رفح هي جائزة الترضية لنتنياهو لثنيه عن الرد على الرد، وهو خير من يستثمر في السياسة والحروب والدم، وهو ما سيبقي المنطقة بعد الرد الايراني كما قبله ولن يتغير شيء، فالمباريات “الودية” لا يحسب لها حساب عادةً في التصنيفات، وهي غالباً ما تكون فاصلاً على طريقة فاصل ونواصل، ليبقى القلب والعين على غزة والجنوب اللبناني حتى يقضي الله وحزبه والتطورات أمراً كان مفعولا.

شارك المقال