الشرق الأوسط: معارك بالوكالة وبروز الدور العراقي

حسناء بو حرفوش

حذر مقال بحثي في موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (European Council on Foreign Relations)‏ من تعميق خطوط الصدع في الشرق الأوسط في ظل حرب غزة. وسطر دور العراق الذي يعود إلى الواجهة كوسيط مع إيران والغرب، داعياً الى تقديم مصلحة البلاد على أي أجندات خارجية.

ووفقاً للمقال الذي يحمل توقيع الباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الأميركية-العراقية، حمزة حداد، “انخرطت إيران ووكلاؤها والولايات المتحدة وإسرائيل في دورة من الهجمات المتبادلة في جميع أنحاء المنطقة، وهذا ما ترجم مؤخراً بالرد الايراني المباشر على القصف الاسرائيلي للقنصلية الايرانية في سوريا، الأمر الذي يهدد بالتصعيد إلى حرب إقليمية.

كما شهدت المنطقة توترات أخرى مشابهة بحيث هاجمت القوات شبه العسكرية العراقية التي تعمل ضمن “محور المقاومة” الايراني القوات الأميركية في العراق، والتي ردت بعمليات انتقامية أيضاً. ويسلط ذلك الضوء على الدور العراقي. وكان نفوذ إيران قد تزايد في العراق في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003 وسقوط صدّام حسين، والعلاقة بين البلدين بعيدة كل البعد عن اختصارها بمجرد وكالة. ويتمثل التأثير الأقوى لإيران في وجود قواتها شبه العسكرية ضمن الأجهزة الأمنية العراقية، لكن العراق أظهر أيضاً بعض الاستقلالية السياسية عن جارته وهو يحتفظ بنفوذ مالي عليها.

ومنذ بدء حرب غزة، اندلعت دورة خطيرة من التصعيد في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وتبادلت إيران ووكلاؤها مثل الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، والقوات شبه العسكرية العراقية التي تعمل تحت مظلة المقاومة الاسلامية في العراق الهجمات مع إسرائيل والوجود العسكري الأميركي في مختلف أنحاء المنطقة. وهذا يهدد بالتحول إلى حرب أوسع نطاقاً، خصوصاً منذ الهجوم المباشر غير المسبوق الذي شنته إيران على إسرائيل في 13 نيسان/ابريل 2024 رداً على قصف إسرائيل للقنصلية الايرانية في سوريا في 1 من الشهر نفسه.

وقبل ذلك، شنت القوات شبه العسكرية العراقية أكثر من 170 هجوماً على قواعد عسكرية أميركية في العراق وسوريا، ولم تتوانَ القوات الأميركية عن الرد. وكما هو الحال مع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، هللت طهران علناً لمآثر وكلائها وحلفائها بالتوازي مع النفي الشديد لأي تورط أو دعم. وعلى الرغم من إعلان المقاومة الإسلامية في العراق وقف هذه الهجمات، تجد الحكومة العراقية نفسها عالقة مجدداً بين قوة إقليمية وقوة عالمية، ما يضع البلاد تحت تهديد خطير بالانجرار إلى صراع أوسع نطاقاً.

(…) ويكتسب العراق دوراً مهماً بصفته منصة للصراع الأميركي الايراني وهذا الواقع يسبق حرب غزة بثلاثة عقود على الأقل. وكثيراً ما وجدت بغداد نفسها في مرمى هذا التنافس، الذي يتراوح من المنافسة الدنيوية على النفوذ السياسي والاقتصادي إلى المواجهة العسكرية المباشرة. وتؤكد الديناميكيات الشبيهة بما يحصل في العراق كيف تستخدم الجهات الفاعلة المدعومة من إيران العنف لمحاولة فرض أجندة سياسية. ويقف العراق على شفا الهاوية، فهو عالق بين تصرفات الجماعات المسلحة الأكثر تطرفاً والرغبة في الحياة الطبيعية والاستقرار اللذين يتقاسمهما العديد من مواطنيه وزعمائه السياسيين.

والحقيقة هي أن العراق لا يزال يواجه خطراً جسيماً يتمثل في الانزلاق إلى صراع أعمق، ويتعين على الجهات الفاعلة الغربية انتهاج الحذر الشديد لتجنب هذه النتيجة. وقد تأكدت هذه الهشاشة من خلال الأحداث الأخيرة، بما في ذلك تعرض قاعدة بحرية إسرائيلية لهجوم من المقاومة الاسلامية في العراق، وكذلك القصف الاسرائيلي للقنصلية الايرانية في سوريا، ما أدى إلى هجمات إيرانية مباشرة على إسرائيل، بعضها انطلق من العراق.

ويتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة الضغط على كل من واشنطن وطهران، نظراً الى قناة الحوار المستمرة بينهما، لعدم التضحية باستقرار العراق من أجل طموحاتهما الجيوسياسية الأوسع. ويسمح توسيع علاقات العراق الخارجية مع الأوروبيين ودول الخليج المجاورة بخدمة المصالح الاقليمية والدولية، ليؤدي العراق دور الوسيط بين إيران وبقية العالم. وأظهر الصراع الحالي في الشرق الأوسط أهمية الوسطاء الاقليميين، ومن الأمثلة الدور القطري حالياً في سياق الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. وسيكون التعامل مع إيران بصورة بناءة أمراً صعباً من دون وسيط، والعراق هو الخيار الأمثل في هذا السياق.. لأن السياسة الشاملة في الشرق الأوسط تتطلب التعامل مع طهران، وهذا يتطلب وجود بغداد”.

شارك المقال