“الحزب” ينتهج “الصبر الاستراتيجي” في ملف الرئاسة

محمد شمس الدين

في كل جولات ايران وصولاتها في المنطقة كان يلاحظ أنها تعتمد بصورة كبيرة على عامل الزمن، معتبرة أن مصالح خصومها في النهاية ستفرض عليهم التفاوض معها، والقبول بما يفيد مصالحها، ولكنها قبل ذلك ترفع السقف عالياً في مطالبها، علماً أنها تقبل بنصف هذه المطالب. وقد أصبح مصطلح “الصبر الاستراتيجي” صفة لصيقة بإيران ممن يدورون في فلكها، ويرون أن الاتفاق النووي مع الغرب الذي ألغاه فعلياً الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان انتصاراً لسياستها، وأن الاتفاق السعودي- الايراني هو انتصار آخر لنهجها.

ويبدو أن سياسة ايران هذه ينتهجها حلفاؤها في المنطقة، من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، وترجم هذا الأمر بانتهاء الحرب على الحوثيين، ونفوذ الحشد الشعبي في العراق، وعودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجامعة العربية، أما لبنان فيبدو أن الوضع فيه أصعب من غيره، فعلى الرغم من النفوذ الكبير الذي يتمتع به “حزب الله”، إلا أن التركيبة اللبنانية تفرض عليه التفاوض مع الآخرين، ولكنه يعتمد السياسة نفسها، “الصبر الاستراتيجي”، بحيث أن لا الحزب ولا بيئته يتأثران بالمجريات السياسية في البلد، فلا يهم إن كانت الدولة في حالة فراغ أو تعطيل أو حتى شلل كامل، فهما يستطيعان التعايش مع هذا الأمر، بينما من يتأثر فعلياً الأطراف الأخرى، وبالتالي يستطيع الحزب الانتظار إلى وقت لا يعود بامكان الآخرين التحمل، فيضطرون إلى مفاوضته، والخضوع لارادته في الملف الذي يريده.

ويشكل هذا الملف العنوان الأبرز في هذه المرحلة، وتقول مصادر قريبة من فريق 8 آذار انه يفضل “المبادرة الفرنسية القديمة، رئيس جمهورية مقابل رئيس حكومة، لأنها كانت معادلة ناجحة في إرساء نوع من الاستقرار في البلد منذ اتفاق الطائف، الياس الهراوي- رفيق الحريري، اميل لحود- رفيق الحريري، واختلال هذه القاعدة أدى الى أزمات في البلد، عندما كان رئيس جمهورية ورئيس حكومة من لون واحد، كعهد الرئيسين سليم الحص وعمر كرامي، ليس بسبب شخصهما، بل لاختلال التوازن في البلد. وقد ثبتت هذه المعادلة بعد اغتيال الرئيس الحريري بوضوح، فعندما أصبح الرئيس ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وتسلم الحكومة الرئيس سعد الحريري، عادت الأزمات الى البلد، إلى أن تم اسقاط حكومة الرئيس الحريري، وتسلم الرئيس نجيب ميقاتي، الأمر الذي أرسى نوعاً من الاستقرار. ولاحقاً يمكن القول إن البلد في عهد ميشال عون كان في حالة استقرار سياسي عندما كان الرئيس الحريري رئيساً للحكومة، وحلّ الخراب الشامل عندما تولى الرئيس حسان دياب الحكومة، بعيداً عن الشق الاقتصادي للأمر، بل الشق السياسي. ونكرر أن الأمر لا علاقة له بالأشخاص، وإنما هذه هي تركيبة البلد القائم على الحكم التوافقي، وبالتالي نحن اليوم أمام حالة استثنائية، 8 آذار ترى أن من حقها أن يكون لها منصب من الاثنين، إما رئاسة الحكومة وإما رئاسة الجمهورية، علماً أنها تفضل الأخيرة، كون رئيس الحكومة هو السلطة التنفيذية في البلد، ومن سيعقد الاتفاقات مع الدول، ولبنان كبلد لا يمكنه القيام وحده، بل بمساعدة الدول الصديقة، وتحديداً الأشقاء العرب، وهم سيكونون مرتاحين أكثر مع رئيس حكومة ليس في فلك 8 آذار وحزب الله”.

إلا أن هناك مشكلة أساسية اليوم تؤثر سلباً في هذه المعادلة، وهي الحالة المسيحية وفق المصادر، التي تشير الى أن “الحزبين المسيحيين الأكبر، أي القوات والتيار الوطني الحر، يريدان تثبيت معادلة الرئيس القوي، أي رئيس من وسط أحدهما، أو بدعمه، وهو ما يؤخر الاستحقاق الرئاسي أكثر، وأضيف إلى ذلك حرب غزة وإسناد الحزب لحماس، وتزايد التصعيد في المنطقة، وبالتالي أصبح الاستحقاق الرئاسي في آخر سلم الأولويات إن كان لحزب الله أو المجتمع الدولي، باستثناء العرب وعلى رأسهم السعودية التي تولي أهمية كبرى للبنان”.

واعتبرت المصادر أن الملف لن يحل إلا بعد حرب غزة، وإن استمر الحزب في لعبة “الصبر الاستراتيجي” فسيحصل على ما يريد “لأن وضع البلد لا يحتمل، وستكون المعادلة رئيس جمهورية مقابل رئيس حكومة، والمراهنة هي على التيار الوطني الحر، الذي يمكن البيع والشراء معه، بينما القوات ستخاف من التنازل لأن ذلك قد يضرب شعبيتها في شارعها، إلا أنها ستكون ضمن الصفقة ضمناً”.

شارك المقال